تتخذ التحالفات أشكالاً ودوافع مختلفة في العلاقات الدولية، ومع ذلك، لا يمكن اعتبار أي تحالف سيظل دائمًا، حيث يمكن أن تؤدي السياسات المتطورة والمصالح الوطنية المتغيرة إلى انهيار أي تحالفات أو إنشاء تحالفات جديدة.
تركيا كانت ذات يوم حليفة لإسرائيل، لكن "تل أبيب" تنظر الآن إلى الأكراد - الذين تعتبرهم أنقرة تهديدًا للأمن القومي - باعتبارهم "حلفاء طبيعيين".
في أول خطاب له بعد توليه منصبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد "جدعون ساعر" إن إسرائيل يجب أن تمد يدها للأكراد وأن هذا النهج له جوانب سياسية وأمنية، مضيفا أن تركيا كانت حليفة في "الماضي"، في حين كانت بعض الدول العربية خصومًا، وأنه من المستحيل معرفة كيف ستسير الأمور في المستقبل، وهذا صحيح لأن المصالح هي الأولوية بالنسبة لإسرائيل، وليس المبادئ، ويمكن رؤية ذلك بوضوح في سياستها تجاه الأكراد.
في تسعينيات القرن العشرين، كان التحالف التركي الإسرائيلي يُنظَر إليه باعتباره حاجزًا حاسمًا للدول التي كانت تدعم حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا والعديد من الدول الغربية منظمة إرهابية، وبسبب الدعم الذي يتلقاه حزب العمال الكردستاني من سوريا، وبدرجة أقل من إيران والعراق، وقعت تركيا وإسرائيل مذكرة تفاهم بشأن التعاون العسكري في 1996، وشمل هذا التعاون العسكري تعاونًا استخباراتيًا أقوى، ودعمًا لوجستيًا وتدريبًا للجيش التركي.
وفي حين اعتبرت الدول العربية هذا التعاون العسكري موجهًا ضدها، أصرت تركيا وإسرائيل على أن تحالفهما لم يكن موجهًا ضد أي طرف في المنطقة، ومع ذلك، كان من الواضح أنه رادع ضد سوريا والعراق وإيران، التي على الرغم من دعمها لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا، إلا أنها كانت لديها أيضًا مشاكل مع الأكراد داخل أراضيها.
وقد أبرز وزير الدفاع التركي آنذاك المصالح المتقاربة لأنقرة مع إسرائيل بشأن قضية حزب العمال الكردستاني، حيث قال إن تركيا وإسرائيل تتفقان بشأن دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني، وصرح بنيامين نتنياهو، الذي كان رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، بأن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، مضيفًا أن إسرائيل تعارض إنشاء دولة كردية.
وبهذه الطريقة، وافقت تل أبيب سراً على دعم سياسة أنقرة تجاه حزب العمال الكردستاني المدعوم من سوريا، حيث اعتبرت تركيا وإسرائيل دعم دمشق للأكراد والجماعات الأخرى تهديدًا أمنيًا.
وتدعو إسرائيل اليوم، تحت قيادة نفس رئيس الوزراء، إلى علاقات أوثق مع الأكراد، الذين كانت ضدهم ذات يوم، وهذا ليس مفاجئًا، لأن إسرائيل كانت أيضًا الدولة الوحيدة في المنطقة التي دعمت علنًا استفتاء الاستقلال الذي أجرته حكومة إقليم كردستان في العراق 2017، وخوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج تطلعات الاستقلال الكردية في تركيا وإيران، عارضت أنقرة وطهران بشدة الاستفتاء وانتقدته.
مصالح الدول ليست ثابتة، ومع تطور المصالح، قد يتغير النهج أيضًا بسبب التطورات في البيئة المحلية والدولية، وقد تهيمن هذه التغييرات على خطاب السياسة الخارجية.
من الواضح جدًا أن نهج السياسة الخارجية الإسرائيلية الجديد تجاه الأكراد هو استجابة لدعم تركيا للشعب الفلسطيني الذي يواجه العدوان الإسرائيلي، وجاءت دعوة إسرائيل للأكراد قبل ثلاثة أيام فقط من إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قطع جميع العلاقات مع إسرائيل.
ومع ذلك، هناك فرق واضح هنا، ففي حين تدعم جميع الدول الإقليمية دولة فلسطينية مستقلة، لا يدعم أي طرف سوى إسرائيل الدولة الكردية المستقلة، التي ترى في إنشاء مثل هذه الدولة فرصة لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط.
إن السياسة الإسرائيلية تجاه الأكراد تظل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا برؤيتها للشرق الأوسط الكبير، ويُنظر إلى هذا النهج بشكل خاص على أنه تهديد من قبل الدول الإقليمية، ليس فقط الآن ولكن حتى قبل عقود من الزمان.
على سبيل المثال، في 1966، ألقى وزير الدفاع العراقي، عبد العزيز العقيلي، باللوم على أكراد العراق لسعيهم إلى إنشاء "إسرائيل ثانية" في الشرق الأوسط، وعندما أجرى أكراد العراق استفتاءهم بعد عقود من الزمان، في عام 2017، رفضته الحكومات في العراق وتركيا وإيران.
نهج إسرائيل تجاه الأكراد، التي تسعى إلى استقلالهم، يكشف عن يأسها، حيث تسعى تل أبيب إلى استخدامهم لتقويض الدول الإقليمية التي تدعم الحقوق الفلسطينية.
منذ 5 ساعات