شاهدت محمد صلاح في الإسكندرية قبل 12 عامًا، باعتباري سكندريًا ومشجعًا لفريق الاتحاد، استمتعت جدًا بأدائه رغم كونه منافسًا، وكان حينها لاعبًا في المنتخب المصري الأوليمبي، ولم يكن معروفًا.
لم أَرَ في صلاح، اللاعب صاحب الموهبة الخارقة، لكنني وجدته مُقاتلًا يضع هدفًا نصب عينيه، يصول ويجول بالملعب من الدفاع إلى الهجوم، حتى ورغم الخسارة بهدفين لهدف، إلا أنه كان صاحب الهدف، وكان الأجمل في اللقاء لدرجة أنه حصل على تحية جمهور الاتحاد، ووصف الهدف في لقاء تلفزيوني بعد أن أصبح محترفًا في روما بأنه الأجمل في تاريخه حتى تلك اللحظة.
رحلة صلاح كانت مثيرة جدًا للاهتمام، وبالنسبة لي يجب أن تدرس للأطفال، ليس فقط لأنها رحلة تشبه الفانتازيا والخيال، بل لأنها تهدم نظرية شماعات الفشل التي تلازم البعض، لم يلوم صلاح مدرب تشيلسي، ولم يلوم الظروف التي واجهته كطفل بسيط من قرية صغيرة كان بالكاد يحمل ثمن تذكرة ذهابه للتدريبات، طار إلى العالمية بالبساط السحري الذي نسجه لنفسه، بينما لم يصدقه أحد، وحتى عندما بدأ بالتحليق في أوروبا، تحدثوا عن فشله المُرتقب، ولم يصدق أحد أحلامه الكبيرة.
يساورني سؤال: «ماذا لو كان محمد صلاح قد استسلم للانتقادات في بداية رحلته.. هل كنا اليوم سنعرف الملك المصري المتوج؟!»، الإجابة ببساطة: «لا»، صلاح لا يسمع إلا لصوت يقينه ونجاحه فواجه تحديات تفوق الوصف، بداية من مشواره المحلي في مصر، حيث رفض نادي المقاولون احترافه، مرورًا بصعوبات احترافه في أوروبا، خاصة مع إخفاق تجربته الأولى في تشيلسي، كانت الانتقادات حاضرة دائمًا، من التشكيك في قدرته على النجاح، إلى التقليل من نادي بازل السويسري، قال أحد الإعلاميين حينها إنه لا يعرف عن سويسرا سوى الساعات والشيكولاتة، ولا يعرف أن بها كرة قدم، كما طالب بعض المشاهير بعودته إلى مصر بعد إخفاقات بسيطة، لكن صلاح لم يلتفت لكل هذا، بل ركز على تطوير نفسه والعمل الشاق لتحقيق حلمه.
رحلته من مقاعد البدلاء في تشيلسي حتى أصبح أحد أبرز اللاعبين في تاريخ ليفربول والعالم، هي درس لكل شخص يواجه الانتقادات، اليوم، اسمه محفور على جدران الـ«أنفيلد»، وأصبح رمزًا كبيرًا للفريق.
منذ انضمامه إلى ليفربول في 2017، سجل محمد صلاح 221 هدفًا وقدّم 97 تمريرة حاسمة في 366 مباراة مع الفريق.
أصبح أول لاعب في الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى في موسم 2024 يصل إلى 10 أهداف و10 تمريرات حاسمة بعد 17 مباراة فقط.
صلاح سجل أكثر من 23 هدفًا في كل موسم منذ انضمامه إلى ليفربول، ليصبح أحد أعظم اللاعبين في تاريخ النادي.
إنجازاته مع ليفربول تتضمن الفوز بدوري أبطال أوروبا 2019، والدوري الإنجليزي 2020، وغيرها من البطولات الكبرى، مما جعله واحدًا من أفضل اللاعبين في تاريخ الكرة الأوروبية والعالمية.
صلاح أثبت أن الرد الأقوى على المُشككين ليس بالكلام، بل بالأفعال، أرقامه القياسية وإنجازاته، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، هي خير دليل على أن النجاح الحقيقي يحتاج إلى صبر وجهد وثقة بالنفس.
منذ أيام، شاهدنا استقبال صلاح الأسطوري في معرض الشارقة بالإمارات وسط حضور آلاف المعجبين، ترى في عيونهم الفخر بهذا النموذج العربي وينصتون بإعجاب شديد إليه، نرى في تصريحات صلاح الوصفة السحرية للنجاح، التي تبدأ بالثقافة والقراءة، مرورًا بالتأقلم وملاحظة اللاعبين الأوروبيين الناجحين، يذهبون إلى التمرين مبكرًا ثم إلى «الجيم»، قرر صلاح أن يُضاعف ما يفعلونه، حتى يتعلم منه الأوروبيون اليوم، ماذا يجب عليهم أن يفعلوا ليصبحوا مثل شخص عربي يُدعى صلاح.
ها هو اليوم، محمد صلاح، لا يُذكر اسمه فقط بين أساطير كرة القدم، بل أصبح رمزًا للأمل والإصرار، فمِن بين الظلمات، سطع نجم هذا الشاب الذي تحدى كل الصعاب، ليكتب اسمه بأحرف من ذهب في سجلات التاريخ، لم يكن طريقه مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتحديات والعقبات، ولكنه عرف كيف يحول الألم إلى قوة، والإخفاق إلى فرصة.
صلاح لم يحقق المجد بموهبته فقط، بل بعزيمته التي لا تلين، وبإيمانه العميق بقدراته وبالتفاته عن الانتقادات السلبية، قد يتساءل البعض: «كيف يمكن لشاب من قرية صغيرة أن يصل إلى قمة العالم؟»، الإجابة: «بالصبر، والمثابرة، والإيمان بأن المستحيل مجرد وهم».
محمد صلاح لم يترك مجالًا للشك في نفسه، ولم يسمح لأي انتقاد أن يثني عزيمته، فصار اليوم هو القدوة، والقصة التي ترويها الأجيال القادمة ليتعلموا أن النجاح لا يأتي بين ليلة وضحاها، بل هو حصاد سنوات من العمل الشاق، والإيمان العميق والصبر الذي لا يعرف اليأس.
إذا كنت تواجه انتقادات أو شكوكًا في قدراتك على تحقيق حلمك، تذكر دائمًا رحلة صلاح، تذكر كيف تحدى الصعاب، وكيف اجتاز محطات الألم والشك ليُثبت للعالم أن الطريق إلى المجد لا يُعبد إلا بالإصرار والجهد، لا تدع كلمات الناس تُطفئ فيك شعلة الطموح، بل استلهم من قصته القوة لتكتب بنفسك تاريخًا لا يتوقف عن الإلهام.
منذ ساعتين