قراقوش.. حقيقة "النسر الأسود" في التاريخ المنسي

قراقوش الذي صار على ألسنة الناس في كل زمان وكل بلد، المثل المضروب للتدليل على جور الحكم وجبروت القاضي، ويحتج الشخص الذي يحس بأنه قد ظلم في أمر ما، بتشبيه مصيره بـ "حكم قراقوش".

فمن هو قراقوش؟ وهل هو شخصية حقيقية أم خيالية؟

قراقوش معناها بالتركية: النسر الأسود، وقراقوش له صورتان: صورة تاريخيَّة صادقة، وصورة روائيَّة صوَّرها له منافسيه.

والعجيب أن الصورة التاريخية الحقيقية طُمست ونُسيت، والصورة الخيالية بقيت وخُلِّدت، فلا يذكر قراقوش إلا ذكر الناس هذه الحكايات العجيبة، وهذه الأحكام الغريبة التي نسبت إليه .

قراقوش

هو أحد قادة بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي، كان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه، وكان قائدًا مظفرًا، وكان جنديًّا أمينًا، وكان مهندسًا حربيًّا منقطع النظير. كما ورد في كتاب "عظماء من مصر"

اقرأ أيضًا| أم الإذاعة المصرية آمال فهمي.. البطلة الحقيقية لقصة فيلم "مراتي مدير عام"

وكان مثالاً كاملاً للرجل العسكري، إذا تلقى أمرًا أطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير، وإن أمر أمرًا لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة، بلا اعتراض ولا نظر ولا تأخير.

وكان أعجوبة في أمانته، لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر، ويحملون منها ما يخف حمله ويغلو ثمنه، وكان القصر مدينة صغيرة، كدَّس فيها الخلفاء الفاطميون خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس ما لا يحصيه العدُّ، ولو أن عشرة لصوص أخذوا منه ما تُخفِي الثياب، لخرج كلٌّ منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد.

فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر، فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكئوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب ما لا مثيل له في الدنيا، هذا فضلاً عن العرش الفاطمي الذي كان من أرطال الذهب، ومن نوادر اليواقيت والجواهر، ومن الصنعة العجيبة ما لا يقوّم بثمن.

وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات والمئات من الجواري المنحدرات من كل أمم الأرض، ما يفتن العابد..

فلا فتنه الجمال، ولا أغواه المال، ووفَّى الأمانة حقها، ولم يأخذ لنفسه شيئًا، ولا ترك أحدًا يأخذ منها شيئًا.

وهو الذي أقام أعظم المنشآت الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين، وإذا زرتم القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة، فاعلموا أن هذه القلعة، بل هذه المدينة العسكرية، أثر من آثار قراقوش.

وإذا رأيتم سور القاهرة الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش الناظر، فاعلموا أن الذي بَنَى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش.

ولما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت تقع بينهم الحرب، ما كفَّهم ولا أصلح بينهم إلا قراقوش.

ولما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيًّا في التاسعة، جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش، فكان الحاكم العادل، والأمير الحازم، أصلح البلاد، وأرضى العباد.

هذا قراقوش، وحسبما أشارت المصادر التراثية إلى ان ابن مماتي قد أساء إلى قراقوش، فألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقي. فالمؤرخ ابن مماتي، الذي عاصر صلاح الدين الأيوبي كتب فيه كتابًا أسماه " الفاشوش في حكم قراقوش".

وابن مماتي هذا كاتب بارع وأديب كان موظفًا في ديوان صلاح الدين، وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه، ويتملقونه بالود حينًا وبالعطاء حينًا. ولكن قراقوش وهو الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المداراة لم يعبأ به، ولم يخش شره، ولم يدرِ أن سن القلم أقوى من سنان الرمح، وأن طعنة الرمح تجرح الجرح فيشفى، أو تقتل المجروح فيموت، أما طعنة القلم فتجرح جرحًا لا يشفى ولا يريح من ألمه الموت..

فألَّف ابن مماتي رسالة صغيرة سمَّاها "الفافوش في أحكام قراقوش"، ووضع هذه الحكايات ونسبها إليه.

وصدَّقها الناس .

من احكام قراقوش

1 - شكا رجل إلى قراقوش تاجرًا أكل عليه أمواله، فاستدعى قراقوش التاجر وسأله عن السبب فقال التاجر: "ماذا أفعل له أيها الأمير؟ كلما وفرت له الأموال لأسدد له دينه بحثت عنه فلم أجده". وفكّر قراقوش كعادته ثم حكم بأن يسجن الرجل صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه، حين يريد تسديد الدين له، فهرب الرجل قائلا: "أجري على الله".

2 - قالوا لقراقوش إن طائر "الباز" المفضل لديه قد هرب من القفص وطار، فأمر قراقوش بغلق كل أبواب القاهرة حتى لا يستطيع الفرار.

ينسب أن قراقوش وراء إعدام العالم الشهير شهاب الدين السهروردي في عهد صلاح الدين، صاحب العديد من المؤلفات المشهورة مثل "حكمة الإِشراق"، "هياكل النور"، "لغة النمل"، وغيرها، وكان في السادسة والثلاثين من عمره عندما حكم عليه في عصر الأيوبيين.


المزيد من بوابة أخبار اليوم

منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 8 ساعات
منذ ساعتين