مات عبدالفتاح القصري.. الفنان الذي أضحك الملايين لكن أحدا لم يبكه.. فقط ثلاث فتحن قلوبهن للرحمة به والسهر عليه في الأشهر التي قضاها بلا حراك ولا ذاكرة على فراش المرض.
أما النساء الثلاث فهن: «شقيقته بهية، وطيبة القلب هند رستم، وزميلة الكفاح نجوى سالم»، وعند وفاته مضى تابوته إلى القبر ينتظره عند حافة النهاية حانوتي تحدث عن تعلمه أصول المهنة من الفنان الراحل نفسه.
كان أشهر أدوار عبدالفتاح القصري دوره في مسرحية الريحاني المعروفة «ما حدش واخد منها حاجة»، حينها كان القصري من الممثلين القلائل الذين يفصل لهم نجيب الريحاني وبديع خيري أدوارهم في المسرحيات التي يؤلفانها.
اقرأ أيضًا| عبدالسلام النابلسي.. ابن القاضي السوري دارس الأزهر «الفصيح»
آنذاك، أبدع القصري في دور الحانوتي الذي يصيح في أسى «دنيا》فينفجر المتفرجون بالضحك.. وكان حانوتية القاهرة يحتلون الصف الأمامي كل ليلة ليشاهدوا زميلهم، وفي الصباح يذهبون إليه في البيت ليشرح لهم سر المهنة.
ابن البلد الجدع
وكان القصري من الممثلين القلائل الذين يتقمصون أدوارهم ويتفانون فيها، وقد قام في عدد كبير من المسرحيات والأفلام بدور ابن البلد الجدع الحدق《ذو المفهومية».. وإذا ذهب إلى حي بلدي تحيط به مظاهرة من أولاد البلد الذين يتضايقين منه لأن ابن بلدهم يرتدي بدلة، وكان للقصري نكتته المشهورة يا جدعان أنا ابن بلد على المسرح وفي السينما إنما أنا أفندي من منازلهم!»
القصري يكره العلم
بدأ القصري حياته تلميذا في مدرسة الفرير، ولكنه كان يكره العلم ويجذبه بريق الجواهر في فترينة أبيه الصائغ في الحسين، فسرعان ما تعلم المهنة ولكنه وجد نفسه أسير بريق من نوع آخر.. بريق الأضواء في المسرح فانضم لفرقة جورج أبيض.
حينها كان جورج يقدم مسرحيات الدراما وقد عهد بدور إلى القصري يتطلب منه أن يبكي، واستعصت الدموع على الفنان الناشئ الذي يحلم بأن يعتلي خشبة المسرح ليضحك الناس لا ليبكيهم.. هنا فاجأه جورج أبيض بصفعة مدوية وبكى القصري من شدة الصفعة لا من الفن!
واختطفه الريحانى ليقدمه في أحسن أدواره، ومثل معه فيلم «سي عمر》وبعده مثل 40 فيلما، وأغتنى القصري ولكن الوفاء في طبعه أبقاه في منزله المتهالك في حي السكاكيني، الذي لا يتجاوز إيجاره 80 قرشا.
فاجعة الإصابة بالعمى
ودارت الأيام وبدأ المرض يغزو جسد《فتوة المسرح》و《معلم الشاشة》 وأنفق القصري كل ما يملك علي المسرح، وكان لا يغادر فراش المرض حتى يجري إلى لقمة العيش فيمثل من جديد، وبدأ نور عينيه يخبو.
وذات مرة كان يمثل أحد أدواره في مسرحية لإسماعيل يس وأضحك القصري جمهوره بموقف من مواقفه الرائعة واستدار ليخرج من المسرح ولكنه لم ير الباب، فبدأ يحسس على الديكور بحثا عن الباب، وضج الجمهور بالضحك، فقد ظن أن القصري يمثل موقفا آخر مضحكا ! ولكن الثواني مضت والقصري يبحث عن الباب.
وأدرك الجمهور حقيقة الموقف.. وماتت الضحكات على شفاه الجمهور.. بعدها نقل إلى مستشفى قصر العيني، وعاش في الظلام ثلاثة أشهر، ثم انتقل إلى عالم الأطياف والأشباح والصور المهتزة ثلاثة أشهر أخرى.
وحين عاد إليه بصره أصيب بتصلب في الشرايين أفقده ذاكرته، ولم يعد للكادح مصدر رزق.. إنه يكسب خبزه بعرق الجبين وسهر الليالي، وقد أقعده المرض وبات يتلمس 《إحسان》الفنانين الذين تنكروا له، وكرمته الدولة فأعتنى بعلاجه عدد من كبار الأطباء.
ولكن وطأة المرض كانت تشتد يوما بعد يوم، وعقله الضائع لا يرتد إليه لحظات قصيرة كل يوم يتحدث فيها عن أمجاده وعن دوره في 《سي عمر》وعن الوفاء عند الأصدقاء، ثم يصيح على فراش المرض، قائلا: «دنيا》.. نعم دنيا... دنيا ضحك فيها الملايين على فن الفنان عبدالفتاح القصري ثم بخل فيها العشرات بلفتة عطف عليه وهو مريض وضنوا عليه بدمعة وهو يحمل إلى القبر في جنازة من ثلاثة سيدات، هن هند رستم ونجوى سالم وشقيقته بهية والحانوتي تلميذ القصري يصيح 《دنيا》.
المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم
منذ 19 ساعة