تكرار كلمات مثل "التعاون"، و"التكامل"، و"الشراكة الاستراتيجية" في اللقاءات الرئاسية والحكومية، وما بين الدول بعضها البعض علي مستوي المنطقتين العربية والإفريقية، وما بينها ومع العالم، وكذلك في المؤتمرات البحثية، وعبر منصات الإعلام، يشير إلى عمق الوعي بأهمية العمل الجماعي بين الدول الإفريقية والعربية، إلا أن التباعد بين الطموحات والإنجازات على أرض الواقع يظل واضحاً.
هذه الفجوة، وإن كانت عميقة، ليست سوى تجسيد للمعوقات التي تعترض سبل التعاون، والتي بات من الضروري أن يتجاوزها القطاع الخاص ليكون شريكاً فعالاً في تطوير الاقتصاديات المحلية والإقليمية، فعلي الرغم من تقدم العلاقات الإفريقية الإفريقية والإفريقية العربية والعربية العربية والجهود الكبيرة للقادة والرؤساء وحكومات هذه الدول، الا ان التكامل الحقيقي والنتائج الإيجابية لن تكتمل وضوحاََ إلا بظهور قوي للقطاعات الخاصة والعمل الأهلي في كل هذه الدول، لان نتائج الشراكات والتكامل الحقيقي لابد وان ينعكس ظهوراً في شكل كيانات اقتصادية فاعلة وأنشطة اقتصادية تعود بالنفع علي جميع الشعوب، لأن الشعوب في النهاية لن تأكل او تشرب جهود لتكامل وشراكات دون انعكاس اقتصادي ايجابي علي حياتهم الخاصة.
حلقة ضعيفة في مسار التكامل
القطاع الخاص والاستثماري في القارة الإفريقية يمثل ثغرة نحو السعي للتكامل العربي والإفريقي وأحد أسباب الفجوة بين المأمول والمحقق، ويبدو واضحا ان سرعة تقدم اعمال القطاع الخاص أبطأ كثيرا من سرعة نمو وتوافقات الدول علي التعاون والشراكات الاستراتيجية، على سبيل المثال، العلاقات المصرية - السودانية، أو المصرية - الليبية، أو المصرية - السعودية، من الناحية النظرية وبغض النظر عن الظروف الغير مستقرة والحروب في السودان وليبيا، الا انه كان يجب أن تكون علاقات هذه الدول بمصر وفيما بينها هي النماذج الأقوى لتجسيد التكامل بفضل عوامل التقارب الجغرافي والتاريخي والسياسي. إلا أنه، ورغم وجود مستويات جيدة من التعاون، نجد أن التكامل الاقتصادي بعيد عن الطموحات المفترضة، حيث يواجه تحديات تعرقل الوصول إلى الأهداف المشتركة.
ولعل أحد التحديات البارزة هنا هو التردد المستمر لدى القطاع الخاص والإستثماري في التعامل بجرأة مع فرص التعاون، واستمراره في التركيز على السوق المحلي كلا في دولته، دون الاهتمام الكافي بالمشروعات الخارجية او البحث عن فرص النمو.
العلاقات المصرية السودانية علي مستوي القطاع الخاص والعمل الأهلي
فيما يخص العلاقة المصرية السودانية علي مستوي القطاع الخاص والعمل الأهلي، نجد أن هناك فرصاً ضخمة لتفعيل التعاون الاقتصادي المشترك، حيث ترتبط الدولتان بحدود سياسية وجغرافية، ويشتركان في العديد من العوامل الثقافية والاجتماعية، لكن القطاع الخاص في كلا البلدين لم يتمكن بعد من تحقيق الاستفادة الكاملة من الفرص الاستثمارية في القطاعات الحيوية، مثل الزراعة، الطاقة، البنية التحتية، واللوجستيات، ومع وضع الحالة الحالية للأزمة السودانية في عين الإعتبار، الا انها بالتاكيد حالة مؤقتة سرعان ما سوف تنتهي بعودة سريعة وقوية للدولة السودانية، وإن كان هذا هو الحال بين دولتين تجمعهما الروابط الوثيقة، فإن المسألة قد تبدو أصعب بين دول أخرى في المنطقة العربية والإفريقية بالتأكيد.
القطاع الخاص وفرص النمو
القطاع الخاص في المنطقة العربية والإفريقية، وبخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يتسم بالحذر البالغ في تقدير المخاطر وتضخيم التحديات، مما يحد من استعداده للاستثمار عبر الحدود. كما أن بعض الشركات العائلية ما زالت تعتمد أسلوب "من يملك يُدير" دون التفكير في استقطاب الكفاءات الإدارية المؤهلة، مما يُضعف من القدرة على التوسع الإقليمي.
ورغم ذلك، لا ينبغي أن يكون القطاع الخاص غير معني بفهم السياق الإقليمي والاستراتيجي، فالتكامل العربي والإفريقي يتطلب خطوات جدية، بدءاً من تطوير آليات الإدارة وحتى تعزيز التعاون مع الحكومات المحلية وكذلك الحوكمة والتحول الرقمي واستخدام التكنولوچيا المتقدمة.
خطوات ضرورية للقطاع الخاص العربي والإفريقي نحو التكامل
فيما يلي بعض التوصيات خاصة للشركات العربية والإفريقية لتحقيق قفزة نوعية في التعاون الاقتصادي والاستثماري، أولا، تحرير القيادة الإدارية، حيث إنه وعلى مستوي الشركات، خاصة العائلية والمتوسطة، أن تسعى لتطوير هيكليتها واستخدام كفاءات مهنية قادرة على إدارة النمو والتوسع، بدلاً من الاعتماد على قاعدة "أهل الثقة وحقوق المالك في الإنفراد بالإدارة".
ثانيا، التوافق مع الاستراتيجيات الحكومية.حيث يجب على القطاع الخاص أن يتابع خطوات الدول نحو التكامل، وأن يتحرك في المسار ذاته مع الحفاظ على مستوى معقول من السرعة دون استعجال غير مدروس أو تأخر مضر.
ثالثا، بناء شراكات تكاملية، حيث ينبغي السعي نحو شراكات استراتيجية مع شركات في دول أخرى، للوصول إلى كيانات قوية تساهم في تحقيق منافع متبادلة، سواء في إفريقيا أو المنطقة العربية، بالإضافة الي تعزيز حركة التوظيف العابرة للحدود، ودعم حركة انتقال الأفراد بين الدول واعتباره أمر ضروري، لأن ذلك يساعد في تبادل الخبرات ويسهم في تطوير الكفاءات المحلية.
رابعا، الاستفادة من الكفاءات المحلية خاصة عند دخول سوق جديدة، حيث يجب الاستعانة بمهنيين من الدولة المستهدفة، لأنهم يمتلكون فهماً أكبر لاحتياجات السوق المحلية وللظروف الإجتماعية والإقتصادية وكذلك السياسية التي قد تؤثر في بيئة المال والأعمال.
خامسا، التعاون مع الجامعات والمكاتب الاستشارية الكبرى سواء داخل الدول أو خارجها، فإن الاستفادة من الخبرات الأكاديمية والاستشارية يمكن أن يوفر رؤى فاعلة تساعد في تجنب المخاطر وتعزيز فرص النجاح.
سادسا، استثمار جزء من الأرباح خارجياً، لانه دائما يمكن تخصيص جزء من الأرباح للاستثمار خارج الدولة، دون التأثير على الميزانية الأساسية للأعمال، وهذا يُعد وسيلة جيدة للتوسع بمرونة، وبحذر ايضا.
دور الحكومات في دعم القطاع الخاص
يجب أن تعمل الحكومات في الدول الإفريقية والعربية على تسهيل دور القطاع الخاص في مسيرة التكامل العربي والإفريقي من خلال تقديم دعم مباشر، وتخفيف القيود البيروقراطية، وتقديم حوافز استثمارية. وعلى الحكومات أن تشجع الشركات المحلية على الانخراط في المشروعات الإقليمية، من خلال تأمين آليات تمويلية وخدمات دعم، ومنح مزايا ضريبية للتوسع خارجياً، وتوفير غطاء تأميني قوي وكذلك دعم سياسي مرن يتيح لهذه الشركات تحقيق نمو الأعمال المستهدف.
ويظل التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص ضرورة لتحقيق التكامل العربي والإفريقي. لأنه لن يكون التكامل ممكناً ما لم تتم إزالة العوائق التي يواجهها القطاع الخاص، ويتحقق هذا عندما تدرك الحكومات أن دعم القطاع الخاص ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة استراتيجية.
بهذه الإضافة، يظل هدف التكامل العربي والإفريقي قابلا للتحقيق بوجود القطاع الخاص كعنصر أساسي وليس ثانوياً، حيث يمكن أن يكون شريكاً فاعلاً في النهوض بالاقتصاديات المحلية، وفي تحقيق نمو شامل ومستدام للشعوب في المنطقة العربية والإفريقية.
منذ 6 ساعات