العنف ضد المرأة يمثل أحد أكثر القضايا الاجتماعية والإنسانية الهامة في كل أنحاء العالم، حيث تتعرض النساء لممارسات عنيفة تهدد حقوقهن وحياتهن على مختلف المستويات، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أن العديد من النساء لا زلن يعانين في صمت بسبب الأعراف الاجتماعية والقيود الثقافية، مما يستدعي تعزيز الوعي والعمل المشترك لمواجهة هذا التحدي وضمان حقوق المرأة في العيش بكرامة وأمان.
وتأتي حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة سنويًا في 25 نوفمبر، وتستمر حتى 10 ديسمبر، لتركز على زيادة الوعي بالمشكلة خاصة وأنها تبدا في كثير الأحيان منذ الطفولة، وفي السطور التالية تناقش «بوابة أخبار اليوم» القضية مع الخبراء والمختصين والتعرف على أحدث ما تشير إليه الإحصائيات حول هذه القضية.
وفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية فأن حوالي 736 مليون امرأة في كافة أنحاء العالم تتعرض في حياتها للعنف البدني، وواحدة من كل 4 نساء شابات (تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً) قد تعرضت بالفعل لعنف ببلوغها منتصف العشرينيات من عمرها، وثلث النساء تقريباً (27%) اللواتي (تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاماً) واللواتي سبق لهن الزواج يفدن بأنهن يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف على يد الزوج.
أما أهم المؤشرات الإحصائية للعنف ضد المرأة وفقاً لنتائج مسح صحة الأسرة المصرية لعام 2021، فتشير إلى أن 31% من النساء المتزوجات حالياً والسابق لهن الزواج تعرضن لأي نوع من أنواع العنف على يد أزواجهن، و22.3% من النساء المتزوجات حالياً والسابق لهن الزواج تعرضن للعنف النفسي، وحوالي ربع النساء (25.5٪) المتزوجات حالياً والسابق لهن الزواج تعرضن للعنف الجسدي.
وعن الممارسات التقليدية الضارة، يعتبر ختان الإناث أحد أنواع العنف ضد الفتيات الصغار، وتشير الإحصائيات وفقاً لمسح صحة الأسرة المصرية 2021، ارتفعت نسبة ختان الإناث في الفئة العمرية (0 - 17) سنة في الريف مقارنة بالحضر حيث بلغت النسبة 14% مقابل 8% بالحضر في عام 2021.
هذا بالإضافة لارتفاع معدل التسرب من التعليم في المرحلة الإعدادية للإناث حيث بلغت 0.7% مقارنة بـ 0.6% للذكور.
اقرأ أيضًا | القومي للمرأة ينظم لقاءً بعنوان «العنف ضد المرأة.. هل التكنولوجيا وحدها تكفي؟»
جريمة طويلة الأمد
وترى الدكتورة سحر شعبان، استشاري في مجال حقوق المرأة، أن المرأة تتعرض في مختلف مراحل حياتها لأشكال متنوعة من العنف الذي يمتد تأثيره السلبي إلى صحتها النفسية والجسدية والاجتماعية، فالعنف ضد المرأة يُعرف بأنه أي فعل قائم يؤدي أو يحتمل أن يؤدي إلى أذى أو معاناة بدنية، جنسية، نفسية، مضيفة أن العنف يبدأ أحيانًا منذ الطفولة، مما يترك آثارًا نفسية واجتماعية طويلة الأمد على الفتيات، مثل اضطرابات القلق، فقدان الثقة بالنفس، أو حتى الانعزال والعدوانية.
وأشكال العنف ضد الفتيات منذ الطفولة متعددة، تبدأ من التمييز في المعاملة داخل الأسرة بين الذكور والإناث، فالثقافة الذكورية مازالت تُكرس فكرة سيطرة الرجل على المرأة منذ الطفولة، وللأسف هذه الثقافة تنتقل من جيل إلى آخر، مما يجعل من الصعب تغييرها، الأمر الذي يزيد من معاناة النساء، وقد يُحرمها من حقوقها الأساسية مثل التعليم والحرية.
كما أن هناك أشكالاً أخرى من العنف تشمل العنف الجسدي كالضرب والختان، العنف النفسي كالتحقير والإهمال، والزواج المبكر الذي يحرم الفتاة من التعليم والعمل ويؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية لاحقًا.
دور الأسرة والمدرسة
وتؤكد أن للأسرة دور كبير في مواجهة العنف من خلال توعية الفتيات بحقوقهن، وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، ودعمهن في حال تعرضهن لأي شكل من أشكال العنف، كما يجب على الأسر تحقيق المساواة بين الأبناء في جميع الجوانب، بما في ذلك التعليم والفرص الحياتية.
أما المدارس، فهي شريك أساسي في توعية الطلاب بأشكال العنف وأضراره، لذا من الضروري إدماج برامج توعوية في المناهج الدراسية لتثقيف الطلاب والطالبات حول المساواة بين الجنسين، وكيفية مواجهة العنف، مشيرة إلى أن تدريب المعلمين على كيفية التعامل مع حالات العنف وتوفير الدعم النفسي للطالبات من الأمور الأساسية لخلق بيئة آمنة داخل المدارس.
التوصيات والحلول
وترى د. سحر أنه يجب على الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وأفراد المجتمع أن يتشاركوا في الحلول لمواجهة العنف ضد المرأة، فيجب سنّ قوانين صارمة لمعاقبة مرتكبي العنف، وتوفير الحماية القانونية لضحايا العنف، منوهة على أهمية تنفيذ حملات التوعية التي تستهدف تغيير نظرة المجتمع للمرأة وتعزيز قيم المساواة والاحترام، كما دعت إلى إنشاء برامج توعية وطنية تشمل الأسر والمدارس، وإنشاء خطوط ساخنة داخل المؤسسات التعليمية لتلقي شكاوى العنف وتقديم الدعم.
قصص من الواقع
ومن واقع عملها، سردت شعبان بعض الحالات التي توضح معاناة النساء مع العنف، فالقصة الأولى تسرد حكاية فتاة حُرمت من التعليم وزُوجت قسرًا في عمر 16 عامًا، وقد تعرضت للضرب والإهمال، وعندما أنجبت طفلها الأول، رفض زوجها تسجيله رسميًا على الرغم من العديد من المحاولات.
أما القصة الثانية، فهي لفتاة عانت من التمييز داخل أسرتها لصالح شقيقها، فقد حُرمت من استكمال تعليمها العالي وأُجبرت على البقاء في المنزل لتوفر مصاريف دخول شقيقها جامعة خاصة ليكمل هو تعلميه وحصوله على شهادة ذو مؤهل عالي.
وعن القصة الثالثة، فهي لفتاة تعرضت للختان وزُوجت في سن 14 عامًا لرجل يكبرها بسنوات عديدة، وسافرت معه للخارج لتتفاجأ بأنها الزوجة الرابعة له، عانت من الاضطهاد، وعندما عادت إلى أسرتها مطلقة، واجهت نظرة المجتمع القاسية، خاصة بعد إنجابها لطفلتها التي تبلغ من العمر حاليا عامين ولم يتم تسجيلها بشكل رسمي.
منذ 9 ساعات


