منذ 11 ساعة
بوابة الوفد| ثورة لقجع الكروية من أكاديمية محمد السادس إلى عرش كاف.. كيف صُنع المجد المغربي؟

توج منتخب المغرب تحت 20 عامًا ببطولة كأس العالم للشباب، في إنجاز تاريخي وغير مسبوق في تاريخ المنتخبات العربية وثاني المنتخبات الافريقية بعد غانا، بعدما فاز باللقب عن جدارة واستحقاق.

استطاع المنتخب المغربي فرض سيطرته في معظم المباريات التي خاضها في المونديال، بقيادة مدربه محمد الوهبي. فقد حقق انتصارات على فرق كبيرة مثل إسبانيا، البرازيل، أمريكا، فرنسا والأرجنتين، في مشوار تكلل بنجاح مبهر، ليكون مصدر إلهام وفخر للكرة الإفريقية والعربية. وكان من أبرز نجوم هذه البطولة ياسر زبيري وعثمان معما، اللذان قدما مستويات مميزة للغاية.

ومن المعروف أن النجاح ليس وليد اللحظة، وهو ما ينطبق على منتخب المغرب. فالتطور الذي شهدته الكرة المغربية كان نتيجة رؤية استراتيجية طويلة المدى. تحت قيادة فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، شهدت الكرة المغربية ثورة في مجالات عدة، بدءًا من المستوى المحلي وصولًا إلى البنية التحتية.

على سبيل المثال، قاد لقجع حملة لتغيير بند في الاتحاد الدولي لكرة القدم كان يلزم اللاعب الذي يشارك مع المنتخب الأول مرة واحدة بأن يظل أسيرًا لهذا المنتخب ولا يستطيع تغيير جنسيته الرياضية. أبرز مثال على ذلك كان منير الحدادي، الذي شارك لدقائق معدودة مع منتخب إسبانيا، لكنه بقي مقيدًا بهذا القيد حتى نجح لقجع في تغيير القاعدة، مما مهد الطريق للحدادي للانضمام إلى أسود الأطلس.

إعداد اللاعبين وتحفيزهم لتحقيق المجد

لكن هذا ليس محور التقرير الأساسي، وإنما هو مجرد توضيح لما يشهده الاتحاد المغربي من تطوير إداري حقيقي يقوده لقجع. فالنجاح الذي تحقق في كأس العالم للشباب كان نتيجة لاستعداد وتحفيز قوي من قبل الاتحاد، حيث أصر لقجع على إلقاء خطاب تحفيزي للاعبين بعد خسارة نهائي كأس أمم إفريقيا، مؤكدًا لهم أن "المستقبل أمامكم". بالفعل، لم يخيب المنتخب المغربي آماله، ليحقق اللقب الكبير برفع كأس المونديال ويُسجل إنجازًا تاريخيًا لكرة القدم المغربية والإفريقية والعربية.

مع ذلك، يبقى السؤال الأهم كيف تحولت الكرة المغربية بقيادة لقجع إلى هذا المستوى من التميز؟ هل كان التغيير الإداري وحده هو العامل الأساسي؟ أم أن هناك عوامل أخرى، مثل الاستثمار المستمر في البنية التحتية وتكوين اللاعبين منذ الصغر، مع التركيز على أكاديمية محمد السادس، بالإضافة إلى تطوير المدربين المحليين والإداريين؟ في الواقع، كل هذه العناصر مترابطة، وقد لعبت دورًا كبيرًا في ظهور "النتاج النهائي" لهذا النجاح.

إضافة إلى إنجازات المنتخب المغربي في كأس العالم للشباب، حقق المغرب المركز الرابع في مونديال قطر 2022 وحصد الميدالية البرونزية في أولمبياد 2024 على حساب مصر. كما تألق على المستوى القاري في بطولات مختلفة مثل دوري أبطال إفريقيا، كأس السوبر الأفريقي، و كأس الكونفدرالية، ما يعكس القوة الحقيقية للكرة المغربية في الساحة الدولية. أما على مستوى الدوري المحلي، فقد شهدت البطولة تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث توجت عدة أندية باللقب، مثل نهضة بركان، اتحاد طنجة، الفتح الرباطي، و الجيش الملكي، إلى جانب الوداد و الرجاء اللذان يستمران في المنافسة القوية في كل موسم.

الكرة المغربية شهدت تحولًا جذريًا في السنوات الأخيرة، ليس فقط على مستوى المنتخبات ولكن أيضًا في جوانب أخرى كالإدارة الفنية، البنية التحتية، والتمثيل الإداري. ما تحقق لم يكن مجرد صدفة، بل هو نتيجة مشروع متكامل يجمع بين الحوكمة الصارمة، الرؤية الفنية البعيدة المدى، واستراتيجية النفوذ الذكية التي يقودها فوزي لقجع داخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. وقد ارتكز هذا المشروع على أكاديمية محمد السادس كنواة للتطوير المستدام.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على التحولات التي شهدتها كرة القدم المغربية تحت قيادة لقجع، ونستعرض أبرز النقاط التي أدت إلى هذا التميز المستمر ما تحقق لم يكن مجرد صدفة، بل هو نتيجة رؤية استراتيجية طويلة المدى واستثمار متواصل في المستقبل، مما جعل من كرة القدم المغربية نموذجًا يحتذى به في إفريقيا والعالم.

المغرب داخل كاف.. من هامش المشاركة إلى صانع القرار عند توليه رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في 2014، لم يكن لقجع مجرد إداري محلي، بدأ رحلة بناء نفوذ مغربي مؤثر داخل كاف، وتجلّى هذا التحول بوضوح مع انتخابه رسمياً نائباً أول لرئيس الكاف في أبريل 2025، مما يضع المغرب في موقع تنفيذي رفيع داخل الهيكل الإداري للاتحاد الإفريقي.

وقد سبق هذا الانتخاب حصوله على عضوية اللجنة التنفيذية للكاف في عام 2017 بعد حصوله على 41 صوتاً مقابل 7 فقط لمنافسه، بعيداً عن الاعتبارات السياسية.

نفوذ لقجع يرتكز على ثلاثة أبعاد متكاملة، الموقع التنفيذي داخل كاف، التمثيل الدولي عبر مجلس الفيفا، والارتباط الحكومي بصفته وزيرًا منتدبًا للميزانية بالمغرب، هذا المزيج منح المغرب القدرة على التأثير في صياغة سياسات الاتحاد القاري، من التمويل وتنظيم البطولات إلى وضع المعايير الفنية.

المدرسة المغربية الإدارية.. بناء نفوذ مؤسسي الوجود المغربي داخل كاف لم يكن وليد الصدفة بدأ مع هشام العمراني (أمين عام كاف بين 2011 2017) ثم استمر مع معاذ حجي، لتتأسس ما يُعرف بـ«المدرسة المغربية الإدارية»، إدارة منظمة، فهم عميق للبيروقراطية الإفريقية، وقدرة على التواصل مع التيارات الفرنسية والأنجلوفونية.

شبكات النفوذ والتأثير.. استراتيجية ثلاثية المغرب اعتمد على ثلاث دوائر للتأثير، وهم:

1. المالية: عبر رئاسة لجنة المالية - إحدى أكثر اللجان حساسية في الكاف - أصبح فوزي لقجع يتحكم في مراجعة الميزانية العامة للاتحاد، توزيع الدعم المالي على الاتحادات الوطنية، توجيه الموارد نحو مشاريع البنية التحتية للاتحادات الصغيرة.

2. السياسية والدبلوماسية (دبلوماسية القوة الناعمة): وظفت الرباط كرة القدم كأداة دبلوماسية فعالة لتعزيز الحضور المغربي في غرب ووسط إفريقيا، عبر شراكات مع اتحادات المنطقة - منح فنية وتجهيزات لدول مثل السنغال والكاميرون - تعزيز الوجود السياسي من خلال البوابة الرياضية.

3. التنظيمية والفنية (الدائرة التنظيمية: صناعة المعايير)، حضور فعال في لجان تراخيص الأندية وتنظيم المسابقات، مؤثراً على معايير المشاركة والقرارات الفنية.

أمم أفريقيا 2025 و النموذج المغربي في التنظيم والبنية التحتية

قدم المغرب مفهومًا جديدًا للبطولات عبر فكرة "Base Camps"، معسكرات أساسية متكاملة لكل منتخب بفندق خمس نجوم وملعب تدريب خاص، بما يقترب من معايير كأس العالم.

استثمارات ضخمة في أكثر من 24 فندقًا عالمياً، ومرافق تدريب، وربطها بمشروعات ملاعب وطنية وجهوية، حولت الاستضافة إلى أداة دبلوماسية ورياضية، تجعل المغرب مركزًا إقليميًا للرياضة. وقد تجلى هذا النجاح في:

· استضافة بطولات كبرى (دوري الأبطال للسيدات، الكونفيدرالية).

· الفوز بتنظيم كأس الأمم 2025 بعد انسحاب المنافسين؛ ومونديال 2030.

· ترسيخ مكانة تنظيمية متميزة، وهو ما تأكد أيضاً باختيار المملكة المغربية مقراً رئيسياً لرابطة الأندية الإفريقية في يناير 2025 بعد تفوق ملفها التنظيمي.

منظومة التدريب... الركراكي والسكتيوي والوهبي أسست المغرب منظومة تدريبية وطنية مترابطة، قادرة على تحويل التكوين إلى نتائج ملموسة، وليد الركراكي والإنجاز التاريخي بالوصول إلى نصف نهائي مونديال 2022، وحصد المركز الرابع.

طارق السكتيوي المنتخب الأولمبي والمحليين، ونجح في تحقيق بطولة إفريقيا 2023، وبرونزية أولمبياد باريس 2024، ومحمد وهبي الذي قاد المغرب للقب مونديال الشباب، وجميعهم لديهم شهادة يويفا برو للتدريب.

كما أن جميع الفئات السنية في منتخبات المغرب جميعهم مدربين وطنيين، حيث يقود نور الدين نايبت منتخب تحت 18 عاماً، ونبيل بهاء تحت 17، أشرف هنزاز تحت 15 عاماً، وجميعهم مدارس تعتمد على الانضباط التكتيكي، الضغط المنظم، ودمج خريجي الأكاديمية في المسار الاحترافي.

أكاديمية محمد السادس.. نواة المشروع الوطني نشأت أكاديمية محمد السادس، في مدينة سلا في 2009، وصُممت كمركز متكامل يجمع بين التعليم والتكوين الرياضي، مستوحاة من التراث المغربي ومجهزة بمرافق حديثة.

نتائج التكوين مذهلة، من جيل التأسيس مثل يوسف النصيري وعز الدين أوناحي ونايف أكرد؛ إلى جيل التميز مثل إلياس بن صغير وياسر زبيري، عبد الله باعلال ومعاذ ضحاك، مع شراكات أوروبية ساعدت اللاعبين على الاحتراف المبكر وربط الأكاديمية بسوق عالمي محترف.

الحصاد.. بطولات وإنجازات المنتخب الأول، والوصول التاريخي إلى نصف نهائي كأس العالم 2022.

منتخب المغرب تحت 23 بطل إفريقيا 2023، برونزية أولمبياد 2024.

منتخب تحت 20 بطل كأس العالم للشباب 2025 على حساب الأرجنتين.

التتويج بكأس أمم إفريقيا للمحليين 2018, 2022, 2025.

بطل كأس أمم إفريقيا لتحت 17 عاما.

بالإضافة للصعود لكأس العالم لتحت 17 و20 عاما.

كما أن الأندية المغربية حاضرة على مستوى البطولات القارية الوداد في 2017، و2022 بطل دوري الأبطال، الرجاء 2019 و2021 في الكونفدرالية وأيضا نهضة بركان 2020، 2022، 2025، أما السوبر الأفريقي الوداد 2018 وغريمه الرجاء في 2019، ونهضة بركان 2022 حيث سنجد ألقاب متكررة في البطولات القارية للمغرب على مستوى الأندية.

الدوري المغربي.. وتنوع المنافسة في البطولة المحلية شهد الدوري المغربي بين 2015 و2025 تحولاً جذرياً يعكس نضج المنظومة الكروية، حيث توزعت الألقاب على نطاق أوسع مما كان عليه في السابق:

· 2015-2016: الفتح الرباطي يحقق اللقب الأول في تاريخه، مفتتحاً مرحلة جديدة من المنافسة.

· 2016-2017: الوداد البيضاوي يعيد التتويج بلقبه الـ19.

· 2017-2018: اتحاد طنجة يفاجئ الجميع بأول لقب، في نسخة هي الأكثر إثارة وتكافؤاً.

· 2018-2019: الوداد البيضاوي يحافظ على مكانته في القمة.

· 2019-2020: الرجاء البيضاوي يستعيد اللقب ويعيد التوازن للصراع التقليدي.

· 2020-2022: الوداد البيضاوي يهيمن بلقبين متتاليين، مدفوعاً باستقراره المؤسسي.

· 2022-2023: الجيش الملكي يعود للتتويج بعد غياب، تتويجاً لسياسات إعادة الهيكلة.

· 2023-2024: الرجاء البيضاوي يحرز اللقب بسلسلة لا هزيمة، مؤكداً النضج التكتيكي.

· 2024-2025: نهضة بركان يتوج بأول لقب دوري، تتويجاً لمشروع استراتيجي طويل الأمد.

هذا التوزيع الواسع للألقاب بين أندية متعددة (الوداد، الرجاء، الفتح، اتحاد طنجة، الجيش الملكي، نهضة بركان) يعكس تحسن الحوكمة، توزيع الاستثمار، وتعزيز البنية الجهوية، مما جعل الدوري المغربي أكثر إثارة وتنافسية.

المغرب درس للجميع في النهاية وجود المغرب في مواقع القرار داخل كاف وفيفا يتيح له توجيه التمويل، التأثير على ملفات الاستضافة، ونشر معايير تنظيمية وفنية جديدة، ليصبح مرجعًا إداريًا وتنظيميًا داخل القارة.

ما بدأ كمشروع تكويني محلي تحول إلى منظومة متكاملة، تصنع نتائج رياضية وإدارية ودبلوماسية؛ المغرب اليوم ليس مجرد مشارك، بل مهندس ومؤثر في صناعة القرار الكروي الإفريقي.


المزيد من بوابة الوفد

منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 6 ساعات