في وقت يطرأ عليه تغيّرات دراماتيكية في موازين القوى داخل منطقة الشرق الأوسط المدججة بالعديد من الصراعات والنزاعات، تبدو مصر واعية لأهمية بناء تحالفات قوية ولا سيما على الصعيد العسكري من أجل تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.
وفي تطور لافت وغير مسبوق على صعيد العلاقات العسكرية بين مصر وتركيا، وافقت الأخيرة رسميًا على انضمام مصر إلى برنامج إنتاج المقاتلة الشبحية التركية من الجيل الـ5 "قآن" لتصبح شريكًا في تطوير وتصنيع الطائرة، تعاون لفت انتباه الكثير من الساسة والعسكريين في مصر وتركيا، واعتبروا أنها خطوة تاريخية نحو تعزيز التعاون الدفاعي الإقليمي بين البلدين.
ويأتي التعاون المصري التركي في المجال العسكري بعد سنوات طوال من التوتر الشديد الذي طرأ على العلاقات بين البلدين، استمر لأكثر من 10 سنوات عقب سقوط حكم تنظيم "الإخوان" في مصر عام 2013، قبل أن تعود هذه العلاقات تدريجياً على صعيد المصالح التجارية والسياسة والدبلوماسية بشكل كامل، وخصوصا بعد الزيارات المتبادلة بين رئيسي البلدين خلال الآونة الأخيرة.
ما أهمية المقاتلة التركية لمصر؟ وتعدّ المقاتلة التركية قآن من إنتاج شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية TAI، وهي بمثابة محاولة تركية جريئة للانضمام إلى نادي النخبة من الدول المنتجة لطائرات الجيل الـ5، الذي يضم حالياً مقاتلات إف-22 وإف-35 الأميركيتين، وJ-20 الصينية، وسو-57 الروسية.
وفي هذا السياق يصف مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط الدكتور أحمد أويصال في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد"، موافقة بلاده على انضمام مصر إلى برنامج إنتاج المقاتلة الشبحية التركية من الجيل الخامس "قآن" بالخطوة الجيدة للغاية، موضحًا أن هذا الأمر يشير إلى مدى المستوى المتقدم والتطور الإيجابي الذي وصلت إليه العلاقات المصرية التركية في هذه الفترة، بعد أن شهدت خلال الأعوام المنقضية حالة من الجمود الواضحة، مؤكداً أن البلدين أمام حقبة تاريخية جديدة من التعاون البناء، والذي سيسهم وبلا أدنى شك في تحقيق الاستقرار داخل المنطقة.
وفيما يتعلق بالمكاسب التي تنتظر مصر من انضمامها إلى مشروع إنتاج الطائرة الشبحية قآن كمطور ومصنع لها، أوضح أويصال أن القاهرة ستحصل على مكاسب من هذا التعاون العسكري مع أنقرة، وذكر أن من بين أبرز هذه المكاسب الآتي:
تقوية القدرات الدفاعية المصرية لا سيما في ظل التهديدات المباشرة التي طرأت عليها نتيجة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة والدائرة رحاها حتى الآن.
مساعدة مصر في تصنيع وإنتاج الأسلحة المتطورة تكنولوجياً والتي تحتاجها أي دولة.
ووفقاً لمدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط، فإن هناك عدة دول داخل الشرق الأوسط حاولت الحصول على مقاتلات متطورة من الجيل الـ5، لكن هذه المحاولات فشلت، لافتاً إلى أن إسرائيل فقط هي من تحصل على أحدث ما تنتجه الولايات المتحدة الأميركية من مقاتلات لضمان التفوق الجوي الإسرائيلي، وبالتالي فإن حصول مصر على المقاتلة التركية المتقدمة قد يسهم في سد الفجوة مع الجانب الإسرائيلي الذي يتمتع بتفوق لافت عسكريا داخل المنطقة، وهو الأمر الذي قد يعيد توازن القوى داخل منطقة الشرق الأوسط.
مواضيع ذات صلة خطوة غير مسبوقة ومن ناحيته أوضح الخبير العسكري المصري العميد سمير راغب، أن مشاركة بلاده في تصنيع المقاتلة الشبحية التركية قآن يعد أمراً جيداً للغاية، وهي خطوة غير مسبوقة نحو شراكة تقنية وصناعية إستراتيجية بين دولتين إقليميتين كبيرتين عسكرياً وتصنيعياً.
وقال في حديث لمنصة "المشهد" إن المقاتلة قآن تعرف باسم الطائرة القتالية الوطنية وهي مقاتلة شبحية من الجيل الخامس بمحركين، مصممة للعمل في جميع الظروف الجوية، وتطمح تركيا إلى أن تحل محل أسطول مقاتلات إف-16 في سلاحها الجوي، وتسعى تركيا إلى تصدير الطائرة إلى الأسواق الدولية.
ويشير راغب إلى أن هذا النوع من المقاتلات الشبحية الحديثة تتمتع بالعديد من المميزات والتي من أبرزها الآتي:
تتمتع بقدرات استثنائية عالية تشمل القدرة العالية على المناورة، والقدرة على الطيران الفائق.
تمتلك تقنيات الكترونية متقدمة، وضربات دقيقة.
انخفاض قابليتها للرصد من خلال الرادارات.
مجهزة بمنظومات تسليح محلية تشمل صواريخ "بوزدوغان" و"غوكدوغان" جو-جو، وصواريخ كروز من نوع SOM، بالإضافة إلى أنظمة تشويش إلكترونية متطورة.
تسويق إستراتيجي وأوضح مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط الدكتور أحمد أويصال، أن تعزيز مصر تعاونها الدفاعي مع أنقرة يأتي ضمن توجه القاهرة في العمل على توسيع التصنيع المحلي للأسلحة، كاشفاً في الوقت نفسه أن مصر تولي اهتماماً كبيراً بمنتجات الدفاع التركية، مثل الطائرات بدون طيار، والصواريخ الذكية، وأنظمة الدفاع الجوي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تعزيز فرص توسيع الشراكة بين البلدين في برامج تسليحية أخرى خلال السنوات القادمة.
أما الخبير في شؤون الأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد، فقد أكد أن المقاتلة الشبحية التركية لم تكتمل بشكل نهائي إلى اليوم، ولم تدخل الخدمة داخل الجيش التركي، وما تزال في مرحلة الإعداد والتجارب وتخضع حالياً لسلسلة من التجارب الجوية والاختبارات الفنية.
وأوضح أن الجانب التركي هو من قام بالكشف عن التعاون مع مصر حول هذه المقاتلة، كنوع من التسويق الإستراتيجي لها، منوهاً إلى أن مشاركة القاهرة في إنتاج وتصنيع هذا النوع من المقاتلات من شأنه أن يعزز من هذه الصناعات ويضفي الكثير من المصداقية عليها.
وبحسب عبد الواحد فإن مصر ينقصها التطوير في القدرات الجوية، وعندما تشارك في تطوير وصناعة المقاتلة التركية فهذا الأمر سينعكس بشكل إيجابي عليها من خلال، توطين التكنولوجيا المتطورة داخل مصر، وتبادل الخبرات العسكرية بين القاهرة وأنقرة، مبيناً أن تركيا تمتلك خبرات عديدة سابقة في هذا المجال، حيث قامت بالتوقيع على بروتوكولات تعاون مماثلة مع كل من باكستان وإندونيسيا.
(المشهد - القاهرة)
منذ 3 أيام
