لم تكن ثورة ٣٠ يونيو مجرد لحظة غضب شعبي، بل ولادة جديدة لدولة قررت أن تنفض الغبار، وتعود بثقلها التاريخى إلى صدارة المشهدين العربى والدولي. تحركت مصر من موقع الدفاع إلى قلب المعادلات، وبدل أن تكون ساحة للصراعات، تحولت إلى قاعدة توازن، ومرجعية استراتيجية لا يمكن تجاوزها. فى زمن الانهيارات والفراغات، ظهرت القاهرة كقوة عقلانية تضع «خطوطًا حمراء» وتفرضها.
عربيًا، رفعت مصر راية «لا للميليشيات، لا للتقسيم، لا للاختطاف الطائفي»، ودخلت ملفات شائكة بحنكة الدولة العريقة من ليبيا التى كادت تنزلق إلى هاوية التقسيم، إلى غزة التى ظلت القاهرة صمام أمانها الوحيد حاضرة فى ذهن مصر فى وقت يتجاهلها العالم، إلى السودان الذى بقيت حدوده الجنوبية مرآة للقرار المصرى الحاسم. لم تهادن القاهرة، ولم تترك فراغًا، بل واجهت مشاريع الهيمنة بسياسة توازن صارمة، جمعت بين القبضة الناعمة والرسائل الصلبة.
أما عالميًا، فقد كانت الشراكة مع روسيا إعلانًا مدويًا أن القرار المصرى لم يعد مرتهنًا للمحاور التقليدية. فجاء مشروع «الضبعة النووية» كعنوان استقلال وإرادة وطنية لا تنحني، وكأن مصر قرّرت أن تدخل عصر الطاقة النووية ليس فقط لتضىء مستقبلها، بل لتعلن أنها تصنعه بنفسها. الضبعة لم تكن مفاعلًا فقط، بل رسالة فى قلب الرمال الساخنة .. هنا دولة تقرر وتبنى وتراهن على الزمن الطويل.
فى علاقتها مع واشنطن، لم تعد مصر تدور فى الفلك الأمريكى كما فى عقود سابقة، بل فرضت معادلة الندية والاحترام المتبادل، وأثبتت أنها ليست تابعًا بل شريك إقليمي لا غنى عنه فى ملفات الإرهاب والهجرة. أما زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للقاهرة، فلم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل لحظة كشف سياسى غيرت بوصلته بالكامل. داخل أسوار العاصمة المصرية، بدا ماكرون كمن يعيد ترتيب أولوياته، ويعيد النظر فى سردياته الغربية الجاهزة. وعلى أرض الحضارة والثقل التاريخي، بدأت تتشكل ملامح تحوله التدريجى نحو الاعتراف بفلسطين، كأن القاهرة فتحت له نوافذ أخرى لفهم الشرق، لا كمنطقة صراع، بل كقضية عدالة، ورؤية لا تحتمل التجاهل.
بعد ٣٠ يونيو، لم تعد مصر تنتظر الإذن لتتحرك، بل أصبحت اللاعب الذى تحسب له خطواته، وتوزن كلماته، ويؤخذ رأيه قبل أن ترسم خرائط الشرق الأوسط.
من مربع التبعية.. إلى موقع الندية السيسى يقلب الطاولة ويرفض إملاءات واشنطن
كتبت أمانى زكى:
منذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم فى مصر فى أعقاب ٣٠ يونيو، تغيرت قواعد الاشتباك فى السياسة الخارجية، لا سيما مع القوة العظمى الأولى فى العالم الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى مدى عقد من الزمان، استطاعت القاهرة أن تعيد رسم ملامح العلاقة مع واشنطن، من مربع التبعية إلى موقع الندية، ومن انتظار الإملاءات إلى صياغة المبادرات.
هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء كجزء من مشروع أوسع لاستعادة الدولة المصرية بكامل أدواتها، وإعادة وضعها على خريطة التأثير الإقليمى والدولى. وفى قلب هذا المشروع، برزت العلاقة مع الولايات المتحدة كمؤشر حاسم على مدى ما استعادته مصر من ثقل استراتيجى.
من فوضى الإخوان إلى عودة الدولة
حين تسلمت جماعة الإخوان الحكم عام 2012، بدت العلاقة مع واشنطن «أقرب للرضا الصامت». لكن التوجهات الأيديولوجية للجماعة، وتحركاتها الخارجية غير المنضبطة، دفعت مصر إلى فقدان الكثير من أدوات تأثيرها التقليدية، سواء فى ملف غزة أو فى موازين الشرق الأوسط. بدا كأن القرار السياسى قد خرج من مؤسسات الدولة إلى التنظيمات العابرة للحدود.
لكن المشهد تغير بالكامل بعد 30 يونيو 2013، حين تدخلت الدولة المصرية لإنهاء هذا المسار الفوضوى. أعادت مصر تموضعها الإقليمى بسرعة، ومع وصول السيسى إلى الحكم عام 2014، بدأت الإدارة الأمريكية تعيد حساباتها أمام ما بدا كواقع مصرى صلب دولة قوية، تقودها مؤسسة، ولديها رؤية استراتيجية واضحة.
عهد السيسي: واشنطن تستمع... ومصر تملي
فى السنوات الأولى من حكم الرئيس السيسى، بدا واضحًا أن مصر لا تنتظر الموافقة الأمريكية لكى تحدد تحالفاتها. زار موسكو وبكين وباريس، وأبرم صفقات تسليح نوعية بعيدًا عن واشنطن. الرسالة كانت واضحة: مصر تملك قرارها، ولن تقبل أن تكون مجرد تابع فى معادلات الآخرين.
ورغم الفتور الذى ساد العلاقة مع إدارة أوباما، فإن تغير لهجة واشنطن كان لافتًا. فى 2015، استأنفت الإدارة الأمريكية المساعدات العسكرية، بعدما أيقنت أن مصر تمثل ركيزة أساسية فى حرب الإرهاب، خصوصًا فى سيناء وليبيا.
ترامب والسيسي: الصديق العظيم
مع قدوم الرئيس دونالد ترامب خلال فتره الأولى دخلت العلاقة بين القاهرة وواشنطن طورًا جديدًا. لم تكن مجرد شراكة أمنية، بل تحالف معلن، يتبادل فيه الطرفان الدعم بلا تحفظات. ترامب وصف السيسى بـ«الصديق العظيم»، بينما قدم الرئيس المصرى رؤية مستقلة تجاه ملفات سوريا وليبيا وغزة، دون أن ينتظر مباركة البيت الأبيض.
خلال تلك الفترة، استعادت مصر زمام المبادرة فى الملف الفلسطينى، وأصبحت وسيطًا أساسيًا بين إسرائيل والفصائل. كما دعمت واشنطن الموقف المصرى فى مواجهة التدخلات التركية فى شرق المتوسط، وعادت القاهرة لتستقبل كرأس حربة للاستقرار الإقليمى.
إدارة بايدن: من التحفظ إلى الاعتماد
عندما عاد الديمقراطيون إلى البيت الأبيض، اعتقد كثيرون أن العلاقات ستتراجع لكن السيسى لم يبدل موقعه، بل حافظ على نبرة ثابتة الشراكة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لا على التوجيهات.
وسرعان ما بدأت الإدارة الأمريكية تكتشف أن نفوذ مصر لم يعد اختياريًا. فى مايو 2021، لجأ الرئيس جو بايدن إلى القاهرة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وأشاد علنًا بدور السيسى، فى لحظة مفصلية غيّرت مسار الحرب. ثم تكرر الاعتماد الأمريكى على الوساطة المصرية خلال حرب غزة 2023، ومجددًا فى وساطة مع طهران عبر القناة العمانية.
مصر ترفض الإملاءات الأمريكية... مواقف حازمة فى عهد السيسي
تبنّت مصر خلال السنوات الأخيرة سياسة خارجية تتسم بالثبات والندية، متجاوزة تقاليد التبعية السياسية التى ميّزت فترات سابقة من العلاقات مع واشنطن. فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، اتخذت القاهرة جملة من المواقف الحازمة التى أعادت رسم توازن القوة فى العلاقة بين الطرفين، ووجّهت رسائل واضحة بأن المصلحة الوطنية المصرية تظل أولوية لا تخضع للمساومة.
جاءت أبرز هذه المواقف مع تصاعد الضغوط الأمريكية خلال الحرب الأخيرة على غزة مع قدوم ترمب للمرة الثانية الى البيت الأبيض، إذ رفضت مصر بشكل قاطع أى محاولة لتمرير خطط تهدف إلى تهجير سكان القطاع إلى الأراضى المصرية. واعتبر الرئيس السيسى علنًا أن هذه المقترحات تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى، مؤكّدًا أن مصر لن تكون طرفًا فى أى ترتيبات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية أو تصدير الأزمة إلى الخارج.
كما رفضت القاهرة المشاركة فى أى تحالف عسكرى تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين فى اليمن، رغم الضغوط المتكررة لإقحام مصر فى المواجهة البحرية فى البحر الأحمر. وتمسكت القيادة المصرية بمبدأ عدم التدخل فى صراعات إقليمية لا تخدم مصالحها، ورفضت إغراءات متعلقة بالمساعدات الاقتصادية مقابل الانخراط فى هذه العمليات.
على صعيد السيادة الاقتصادية، رفضت مصر مطالب أمريكية بمنح امتيازات خاصة لعبور السفن الحربية فى قناة السويس، معتبرة أن الممر المائى الاستراتيجى هو خط أحمر لا يُمس، ويخضع للقانون الدولى والسيادة المصرية فقط. وكان لهذا الرفض وقع رمزى كبير، خاصة فى ظل ما تردد عن ضغوط أمريكية لخفض الرسوم أو منح تسهيلات عسكرية استثنائية.
فى السياق ذاته، أرجأت مصر زيارة رسمية إلى واشنطن كانت مقررة مسبقًا، بعدما ارتبطت شروط الزيارة بمطالب تتعلق بإدارة ما بعد الحرب فى غزة، ما اعتُبر تدخلاً مباشرًا فى الشأن السيادى المصرى. ولم تتردد القيادة المصرية فى التعبير عن استيائها من الضغوط السياسية المصاحبة للمساعدات الأمريكية، رافضة تحويل هذه المعونة إلى أداة ابتزاز أو مساومة.
ورغم أهمية العلاقات التاريخية مع واشنطن، حرصت القاهرة على تنويع تحالفاتها الخارجية، فعززت علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو وبكين، وفتحت قنوات تنسيق مع أطراف إقليمية ودولية كانت خارج حسابات واشنطن التقليدية. وهو ما أتاح لمصر هامشًا أوسع من الاستقلالية فى صنع القرار، دون الخضوع لمنطق القطب الواحد.
«عبور ناعم».. نحو الجنوب يخترق القارة السمراء تقرير : سحر رمضان
أنهى مجلس السلم والأمن فى القارة الأفريقية فى يونيو 2014 تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الأفريقى، بعد عام على قرار سابق صدر عن المجلس القاري.
واصدر مجلس السلم والأمن الأفريقى قرارًا بالإجماع، خلال اجتماع عقده على مستوى المندوبين الدائمين، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعودة مصر إلى ممارسة كافة أنشطتها فى الاتحاد الأفريقى.
وقرر مندوبو الدول الـ15 الأعضاء فى مجلس السلم والأمن للقارة الأفريقية عودة القاهرة إلى مكانها الطبيعى داخل الاتحاد الأفريقى.
لم تكن عودة مصر إلى قارتها الأم مجرد تحرك دبلوماسى، بل عبور تاريخي نحو استعادة الدور والمصير. وتحولت تلك العودة إلى شراكة حقيقية مع إفريقيا، واعادت رسم ملامح المستقبل المتكامل بين حاضر مصر وعمقها الاستراتيجى الإفريقى.
كما شهدت السنوات الأخيرة تعزيز حضور مصر داخل التكتلات الإقليمية من بينها الكوميسا، حيث تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاستها من العاصمة الإدارية، وأكد خلالها التزام مصر بالتكامل الاقتصادى الرقمى، والتصدى لتداعيات الجائحة، وتحقيق التعافى الشامل.
كما قادت مصر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقى فى عدة دورات وطرحت مبادرات لمكافحة الإرهاب، بإنشاء قوة إفريقية مشتركة لمكافحته
ونجحت مصر ومنذ تولى الرئيس السيسى مقاليد الحكم فى يونيو 2014 خلال السنوات الـ12 الأخيرة فى الدفاع عن مصالح القارة السمراء ورفع صوتها من أجل الحق العادل فى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية، بعد أن استعادت القاهرة دورها الريادى والمحورى فى عمقها الاستراتيجى الإفريقي
حملت شعلة تسوية الأزمات والصراعات وتحقيق التنمية فى القارة الأفريقية وتحقيق طموحات شعوبها وشبابها.
وعززت مصر علاقاتها الخارجية باستحداث دوائر جديدة بالإضافة إلى انتهاج سياسة التوازن الاستراتيجى فى إدارة علاقاتها بمختلف اللاعبين الدوليين لدعم المصالح وذلك انطلاقا من هوية القاهرة العربية والإفريقية والإسلامية، والتى تتقاطع جميعها مع أمنها القومى بصورة مباشرة، بالإضافة إلى دوائر الاهتمام الدولية والعلاقات الاستراتيجية التى تجمعها بالقوى الكبرى تطورات المشهدين الإقليمى والدولى، والتطورات فى الأولويات الداخلية.
وترأس الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء ،نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسى وفد مصر المشارك فى اجتماع الدورة العادية الـ38 لمؤتمر «قمة الاتحاد الأفريقي» بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، على مدار يومى 15 و16 فبراير الماضى بمشاركة عدد كبير من قادة الدول والحكومات الأفارقة.
وناقش القمة قضايا رئيسية تؤثر على القارة، بما فى ذلك الأمن الغذائى، والتحول الرقمى، وتغير المناخ، وتعزيز التكامل الاقتصادى بين الدول الأعضاء وخاصة فى ظل التحديات الكبيرة التى يواجهها قادة وشعوب القارة الإفريقية وستحدد القمة أيضا ملامح وخطة العمل للاتحاد الإفريقى خلال العام المقبل.
لقد نجحت القيادة السياسية، بكتيبتها الدبلوماسية على مدى 12 عاما فى إقامة علاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية مع كافة الدول حول العالم، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، مع إعطاء أولوية للانتماء الإقليمى، إفريقيا وعربيا، استعادت من خلاله مصر مكانتها الدولية والإقليمية بفضل سياسة حكيمة وضعها صانع القرار المصرى من اليوم الأول، وأعلن عنها فى خطاب التنصيب فى عام 2014.
وسعت القاهرة إلى تعزيز القدرات الإفريقية فى مواجهة التحديات الدولية، فكانت الصوت الإفريقى فى مؤتمر المناخ «كوب 27» بشرم الشيخ، واستضافت مقر مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات، وهو ما حظى بإشادة وتقدير من كبار مسئولى الاتحاد.
وشهدت السنوات الأخيرة تعزيز حضورها مصر داخل التكتلات الإقليمية من بينها الكوميسا، حيث تسلم الرئيس السيسى رئاستها من العاصمة الإدارية، وأكد خلالها التزام مصر بالتكامل الاقتصادى الرقمى، والتصدى لتداعيات الجائحة، وتحقيق التعافى الشامل.
وأطلقت القاهرة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية عقب بدء سريان اتفاقية التجارة الحرة القارية المنظمة لها، والتى كانت ضمن الأولويات التى أعلن عنها الرئيس خلال رئاسة مصر للاتحاد، وتسارعت الدول الإفريقية لإقامة تكتل اقتصادى بحجم 3.4 تريليون دولار يجمع 1.3 مليار شخص؛ ليكون أكبر منطقة للتجارة الحرة منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية، وهو ما يقدم فرصة ذهبية لإحداث تحول اقتصادى وتنموى فى القارة.
السودان
احتضنت مصر الاشقاء من مختلف الجاليات الفارين من جحيم الحرب خاصة فى السودان الشقيق وأعفت فى بداية الحرب النساء والأطفال والرجال السودانيين فوق سن الخمسين من متطلبات الحصول على تأشيرة.
واكد السفير الدكتور بدر عبد العاطى، وزير الخارجية، فى ابريل الماضى أن مصر تستضيف على أراضيها أكثر من 10 ملايين لاجئ، نصفهم من السودانيين يعيشون مندمجين فى المجتمع المصرى ويستفيدون من مختلف الخدمات العامة، مشددًا على أن ذلك يأتى فى ظل أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة تتحمل فيها الدولة المصرية أعباءً متزايدة.
واكد ان سياسة القاهرة قائمة على الكرامة الإنسانية، وتعمل على تسهيل عودة السودانيين إلى وطنهم إذا اختاروا ذلك طواعية، فى ظل مؤشرات إيجابية على تحسن الأوضاع وعودة الاستقرار التدريجى فى بعض المناطق بالسودان.
بعد عقود من الشكوك مصر وإيران.. من مصافحة دبلوماسية إلى عناق سياسي كتبت- منار السويفى:
منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، والعلاقات بين مصر وطهران تسير على درب القطيعة السياسية والحذر الأمنى، وعقب الثورة المصرية فى 25 يناير 2011، وخصوصا مع صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، شهدت العلاقات بين القاهرة وطهران محاولات لإذابة الجليد التاريخى الذى جمدها منذ عقود.
ومثلت ثورة 30 يونيو نقطة تحول حاسمة فى العلاقات المصرية الإيرانية، فقد عاد النظام المصرى الجديد إلى مرتكزات الدولة العميقة فى السياسة الخارجية، لم تعد مصر بعد ثورة 30 يونيو تنظر إلى إيران كخصم دائم.
فى تطور دبلوماسى لافت، أثارت زيارة وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى إلى القاهرة، بدعوة من نظيره المصرى بدر عبدالعاطى، تكهنات واسعة بشأن دخول العلاقات المصرية الإيرانية مرحلة جديدة من التقارب المدروس، بعد سنوات من الفتور والحذر المتبادل، الزيارة التى وصفت بـ«غير التقليدية» جاءت استكمالًا لمسار بدأه عراقجى نفسه فى أكتوبر 2024، حين زار العاصمة المصرية لأول مرة منذ انقطاع طويل فى العلاقات امتد منذ عام 2013.
وبرزت أولى مؤشرات هذه الليونة المصرية فى مارس 2023، عندما أعلنت الحكومة السماح بدخول السياح الإيرانيين إلى البلاد، وفق ضوابط محددة، كخطوة أولى فى اختبار النوايا الإيرانية. تلك الخطوة، وإن بدت صغيرة، فإنها حملت رسالة سياسية بأن القاهرة منفتحة على إعادة النظر فى علاقاتها الإقليمية، بشرط احترام مصالحها الحيوية.
وعلى ضوء عودة العلاقات، واتخذت إيران مؤخرا قرارا بإزالة اسم الشارع المسمى خالد الإسلامبولى (قاتل السادات) من العاصمة طهران فى خلال شهر دون أى شروط إيرانية، كما أعلن مساعد الشئون السياسية بمكتب الرئيس الإيرانى مهدى سنائى، نوفمبر الماضى، أنه سيتم قريبا إعادة فتح السفارتين الإيرانية والمصرية.
وعن تطور العلاقات المصرية الإيرانية، أكد د. رامى عاشور، أستاذ العلاقات الدولية، فى تصريح خاص لـ«الوفد» أن العلاقات المصرية الإيرانية فى فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين وقبل ثورة 30 يونيو 2013، كانت تتسم بدرجة عالية من الحذر المتبادل، رغم محاولات شكلية لإظهار تقارب سياسى لم يكن يستند إلى أرضية صلبة، وأوضح أن زيارة الرئيس الإيرانى آنذاك محمود أحمدى نجاد إلى القاهرة، وما تعرض له من إهانة علنية، كانت كاشفة عن حجم الرفض الشعبى والنخبوى لأى تقارب مع إيران، حتى فى ظل حكم تيار إسلامى يُفترض أنه أكثر انسجامًا مع طهران من غيره.
وأشار عاشور إلى أن الحذر الإيرانى لم يكن فقط من النظام المصرى آنذاك، بل من جماعة الإخوان نفسها، لاعتبارات أيدولوجية تتجاوز الحسابات السياسية، فكان الإخوان المسلمون، يشكلون أحد أبرز أفرع التنظيم العالمى للجماعة، والذى يرتبط بشكل وثيق بالخصم الإقليمى الأبرز لإيران، وهو تركيا، وبالتالى، لم تكن طهران تنظر إلى حكم الإخوان فى مصر على أنه فرصة، بل تعاملت معه بكثير من الريبة.
وأضاف «عاشور» أن الموقف الإيرانى التقليدى من مصر له جذوره، منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، عقب استضافته لشاه إيران محمد رضا بهلوى، ما تسبب فى قطيعة سياسية وخصومة استمرت لعقود، لكن الأمر مع الإخوان المسلمين كان أعمق، كونه خلافًا أيديولوجيًا يتصل ببنية المشروع السياسى والدينى للطرفين، وليس فقط بخلافات عابرة حول ملفات إقليمية.
وشدد عاشور على أن عدم ترحيب الشارع المصرى باستئناف العلاقات مع إيران أو تطبيعها لعب دورا مهما فى تجميد أى خطوات عملية نحو التقارب، حتى خلال الفترات التى كانت فيها القيادة السياسية تميل إلى التجاوب مع الإشارات الإيرانية.
وقال أستاذ العلاقات الدولية، إنه ومع التغيرات الكبيرة التى شهدها الإقليم، وبخاصة بعد 30 يونيو، بدأت موجة من البراغماتية السياسية تحكم سلوك الطرفين، حيث أدى واقع الأزمات المتشابكة فى المنطقة إلى تراجع الخطاب الأيديولوجى لحساب منطق المصالح، وأضاف أن التقارب المصرى الإيرانى يعكس تنازلا سياسيا متبادلا عن إرث الخلاف المرتبط بفترة ما بعد الشاه، مقابل تحقيق استقرار نسبى فى الإقليم.
وقالت د. شيماء المرسى، الباحثة فى الشئون الإيرانية ومديرة وحدة الرصد والترجمة بالمنتدى العربى لتحليل السياسات الإيرانية، إن السياسة الإيرانية تجاه مصر شهدت تحولات دقيقة ومركبة منذ نهاية حربها مع العراق، حيث اتجهت طهران فى تسعينيات القرن الماضى إلى سياسة «خفض التوتر»، ليس فقط مع جيرانها العرب، بل حتى مع العراق الذى خاضت معه حربًا ضارية دامت ثمانى سنوات.
وأشارت إلى أن نقطة التحول جاءت بعد 30 يونيو 2013، حين بدأت الحكومة الإيرانية تعيد تموضعها فى الإقليم، وتظهر مرونة أكبر تجاه خصومها، وأكدت أن مصر، التى تضع «حفظ السلام الإقليمي» فى صدارة أولوياتها، رأت أن انخراط إيران فى تسويات إقليمية، مثل مشاركتها فى وقف إطلاق النار بلبنان، وسلوكها الأكثر مرونة تجاه التصعيد بين الحوثيين والولايات المتحدة، يعطى إشارات قابلة للبناء عليها فى أى حوار ثنائى.
وأكدت د. شيماء المرسى أن إيران، رغم انفتاحها الأخير، لا تزال تتطلع إلى موقف سياسى مصرى داعم فى ملف تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، وسط استمرار التهديدات الأمريكية باستهداف البرنامج النووى، وتعتقد أن طهران باتت أكثر جدية فى تفعيل أدوات القوة الناعمة مع القاهرة، من خلال إحياء العلاقات الثقافية والإعلامية، كخطوة مبدئية نحو استعادة العمق التاريخى الذى كان يوما ما عنوانا لعلاقات مصرية إيرانية ذات طابع خاص.
«مصر» المتحدث الأمين باسم القضية الفلسطينية تقرير : سحر رمضان
لم تنشأ الدولة المصرية من فراغ بل نتاج حضارة تركت بصمتها على العالم مصر الدولة العميقة بأجهزتها ركيزة الامن القومى لوطن تلقى الطعنات داخليا وخارجيا بدهس مخططات الشر العالمية «مبتسما بسخرية».
مثلت ثورة 30يوينو2013 نقطة حاسمة، لم تقتصر آثارها على الداخل بل امتدت إلى الإقليم بأسره، وشكلت ضربة موجعة لتنظيم الإخوان وأذرعه العابرة للحدود، ومنى التنظيم بهزيمة ساحقة فى انتخابات بعض الدول بينها المغرب وأعادت القاهرة بحكمة وذكاء دبلوماسى رسم خريطة التوازنات فى المنطقة واستعادت مكانتها الدولية فى وقت يواجه الشرق الاوسط مخططات التفتيت والتقسيم بعد اكثر من 100 عام على خطة سايكس بيكو.
لم تتخلَّ مصر عربيا وافريقيا ودوليا ابدا عن القضية الفلسطينية يوما ما حتى فى احلك الظروف السياسية التى مرت بها- قبل ثورة يونيو لتصحيح الاوضاع -ومحاولات دفع مصر الى الوراء وضرب ثوابتها الداخلية واجهاض دورها المحورى بمحاولة البعض المزايدة على دورها على الصعيد الانساني.
كانت وتظل مصر المساند الاكبر لقضية العرب الاولى بصفتها أكبر دولة عربية وكقوة إقليمية تقود وتتفاعل وتناصر القضية الفلسطينية منذ النكبة العربية عام1948 حتى طوفان الاقصى 2023 حيث سارعت بقمة القاهرة الدولية للسلام فى نوفمبر من نفس العام برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى وحضرها أكثر من 30 دولة وأمين عام الأمم المتحدة ولم تغلق مصر ابدا معبر رفح البرى الحدودى مع القطاع المحاصر ودعمت الشعب الفلسطينى الشقيق بالالاف من قوافل المساعدات الانسانية الى جانب علاج مصابى الارهاب الصهيونى بالمستشفيات بالقاهرة والمحافظات الميدانية بشمال سيناء وداخل قطاع غزة.
كما ترأس الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مارس الماضى، أعمال القمة العربية غير العادية التى عُقدت بطلب من دولة فلسطين فى العاصمة الإدارية الجديدة.
وشهدت القمة نقاش القادة العرب بشأن سبل دعم الشعب الفلسطينى والحفاظ على حقوقه حيث أكدوا رفضهم المطلق لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم أو لتصفية القضية دعما لثبات الموقف المصرى العربى فيما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧، وعاصمتها القدس المحتلة، كونه السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم فى المنطقة.
وتناولت القمة أيضًا استعراض واعتماد الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه، حيث أعرب القادة العرب عن دعمهم الكامل لهذه الخطة، وهو ما تجلى فى البيان الختامى للقمة.
وتجلت حكمة الوسيط المصرى خلال مفاوضات وقف الابادة الجماعية للشعب الفلسطينى بين المقاومة الفلسطينة ممصلة فى حركة «حماس» و حكومة الاحتلال الصهيونى برفض القاهرة اعتبار الحركة مصنفة «ارهابية» واصرت على انها حركة تحرروطنى مقاومة للاحتلال وفصلت بذلك مصر الكبيرة بين ما جرى على أرضها من جانب تنظيم الاخوان.
ونجحت الجهود الكبيرة التى تبذلها القاهرة فى التوسط بين حركات المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلى فى التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، عبر رؤى ومبادرات تهدف إلى تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني. تزامنا مع حث الدولة المصرية لحركات المقاومة على ضرورة الوحدة وانهاء الانقسام.
كما شارك الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى القمة العربية فى دورتها الـ34 والمنعقدة فى بغداد عاصمة العراق، والتى ناقشت عددًا من التحديات التى تواجه المنطقة العربية سياسيًا واقتصاديًا.
وشدد على ان الشعب الفلسطينى صامد عصى على الانكسار، متمسك بحقه المشروع فى أرضه ووطنه مستعرضا جهود مصر السياسية منذ أكتوبر 2023 لوقف نزيف الدم الفلسطينى للوصول إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية. ومطالبة المجتمع الدولى وعلى رأسه الولايات المتحدة باتخاذ خطوات حاسة لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.
مصر وتركيا.. من القطيعة إلى القيادة السيسى يطوّع الخلافات بشروط المصالحة بلا تنازلات ميشيل الشماعى لـ«الوفد»: القاهرة فرضت رؤيتها الاستراتيجية على أنقرة كتبت أمانى زكى:
لم تكن المصالحة بين مصر وتركيا فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى مجرّد «إزالة سوء تفاهم»، بل تحولت إلى نموذج استراتيجى فى كيفية تحويل الخلافات العميقة إلى أوراق تفاوض وندية. فعلى مدى عشر سنوات، انتقلت العلاقة من القطيعة الكاملة إلى اتفاقات شراكة استراتيجية، لكن بشروط مصرية صرفة.
انفجرت العلاقة بين القاهرة وأنقرة فى أعقاب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين عام 2013. حينها، ووفرت تركيا ملاذًا إعلاميًا وسياسيًا لقيادات الجماعة، بينما سحبت مصر سفيرها من أنقرة، وخفضت مستوى التمثيل الدبلوماسى. لكن الدولة المصرية قررت ألا تستدرج إلى حرب شعارات، واعتمدت ما يشبه سياسة «الصمت المحسوب»، مستندة إلى معادلة بسيطة السيادة لا تساوم، والأمن القومى لا يفاوض عليه.
2020 2023 مهلة اختبار النوايا
فى 2020، بدأت تركيا إرسال إشارات لخفض التصعيد توقف جزئى للهجوم الإعلامى على مصر، تنسيق أمنى غير معلن فى ملفات ليبيا وسيناء، واتصالات مباشرة بين أجهزة الاستخبارات. لكن القاهرة لم تفتح الباب سريعًا. طلبت التزامات مكتوبة بوقف دعم التنظيمات المعادية، وتجميد النشاط الإعلامى الممول من أنقرة، وضمانات بعدم التدخل فى الشأن الداخلى المصرى. وجاءت زيارة وزير الخارجية سامح شكرى إلى تركيا بعد زلزال 2023 لتُعيد المياه إلى مجاريها بشكل تدريجى، بملف إنسانى لا يحمل شروطًا، لكن يحمل إشارات سياسية عميقة.
2024 أردوغان فى القاهرة
فى فبراير 2024، زار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان القاهرة لأول مرة منذ 2012، ووصفت الزيارة بأنها «تاريخية» ليس لطابعها البروتوكولى، بل لأنها تمت فى سياق تغير موازين القوى. لم تقدم مصر تنازلات، بل طرحت جدول أعمال واضح احترام السيادة، وقف دعم الجماعات السياسية، وتأسيس تعاون إقليمى لا يقوم على المحاور بل على المصالح.
وبعدها، زار السيسى أنقرة، وأعلن رسميًا عن تأسيس المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجى بين البلدين، وهو هيكل سياسى واقتصادى وعسكرى يربط ملفات التنسيق بحزمة مصالح واقعية، منها خطوط الغاز، ملفات الطاقة، الملاحة فى شرق المتوسط، والتنسيق فى ليبيا.
خلال سنوات التوتر السياسى، استمرت العلاقات الاقتصادية حتى بلغت نحو 6.5 مليار دولار فى 2022. لكن مع تحسن العلاقات السياسية، تم الاتفاق على خطة للوصول إلى 15 مليار دولار فى التبادل التجارى خلال 5 سنوات.
الاستثمارات التركية فى مصر تجاوزت حاجز 2.5 مليار دولار، خاصة فى قطاعات الغزل والنسيج والصناعات الغذائية والدوائية. وتم فتح ملف التعاون فى الصناعات الدفاعية والطائرات المسيّرة، إضافة إلى إمكانيات الربط بين موانئ البلدين. مصر اشترطت ألا يستخدم الاقتصاد كورقة ضغط، بل كرافعة لبناء شراكة إقليمية مستدامة، وهو ما وافقت عليه أنقرة ضمنيًا، بحثًا عن مخرج من عزلتها السابقة شرق المتوسط.
بهذا التحول، أثبتت مصر فى عهد السيسى أنها لا تعادى أحدًا، لكنها لا تدار من الخارج. فهى تبنى الشراكات، وتدير الخلافات، وتعيد رسم خرائط المنطقة
غزة وليبيا وسوريا: من الصدام إلى التنسيق
فى ملفات الإقليم، بدأت القاهرة وأنقرة تتعاملان ببراغماتية كاملة. فى ملف غزة، رفض الطرفان مخططات التهجير، وشاركا فى الضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية. وفى ليبيا، تم التوافق على وقف دعم الأطراف المتصارعة عسكريًا، والالتزام بمسار سياسى شامل. أما فى سوريا، فقد أبدت تركيا مرونة لأول مرة تجاه عودة دمشق للجامعة العربية، وهو ما عكس تراجعًا نسبيًا أمام الموقف المصرى الثابت.
وفى السياق أكد الدكتور «ميشيل الشماعي» الكاتب والمحلل السياسى اللبنانى فى تصريحه لـ«الوفد» أن أبرز ما ساعد فى كسر هذا الجمود هو تقاطع المصالح الاستراتيجية، خصوصًا فى ملف الغاز الطبيعى بشرق المتوسط، فى ضوء سعى تركيا إلى الانخراط فى ترتيبات إقليمية جديدة بعد انتهاء الحقبة الرمزية لمعاهدة سيفر، والتى شكلت فى الوعى التركى عقدة نفسية تاريخية من التآمر الغربى، قبل أن تلغى فى لوزان 1923.
وشدد على أن مصر نجحت فى فرض رؤيتها الاستراتيجية فى هذه المرحلة، مستفيدة من التغيرات المتسارعة فى الإقليم، لا سيما بعد انفجار الوضع فى غزة وانطلاق موجة إعادة التموضع السياسى عبر الاتفاقيات الإبراهيمية، الأمر الذى فرض على أنقرة والقاهرة معًا ضرورة تجاوز الحواجز الأيديولوجية لصالح الانخراط فى منطق سياسى جديد.
وأوضح المحلل السياسى أن تركيا باتت ترى فى السوق المصرى فرصة استثمارية واعدة، إضافة إلى تطلعها لاستخدام قناة السويس كممر لصادراتها، وهو ما يجعل التعاون الاقتصادى عنصرًا حيويًا فى بناء الثقة المتبادلة. كما لفت إلى الرغبة التركية فى الشراكة مع مصر فى ملفات إعادة الإعمار، سواء فى غزة أو ليبيا، وهو ما يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين البلدين.
وأضاف أن قرار أنقرة بتقييد نشاطات جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها كان بمثابة تنازل واضح تجاه القاهرة، ومؤشرًا على استعداد تركيا لتقديم تنازلات سياسية تمهيدًا لاستعادة العلاقات، مؤكدًا أن هذا القرار ساعد كثيرًا فى تهدئة التوترات وإحداث اختراق سياسى فعلى.
وقال إن ما جرى يعكس براغماتية سياسية واستقلالًا فى القرار الاستراتيجى، ويؤكد أن مصر ما بعد 30 يونيو لم تعد تقبل بإملاءات عقائدية أو استقطابات سياسية ضيقة، بل باتت توازن بين مصالحها الإقليمية من خلال سياسات تعتمد على الواقعية لا الانفعال.
ومع ذلك، شدد الشماعى على أن ملف جماعة الإخوان المسلمين سيبقى نقطة اختبار حساسة فى العلاقات المصرية التركية، رغم الخطوات الإيجابية، معتبرًا أن الرأى العام المصرى لا يزال منقسمًا بشأن هذا التقارب، ما يستدعى تعاملاً دبلوماسيًا حذرًا ومتدرجًا من الطرفين.
واختتم الشماعى تصريحاته بالتأكيد على أن مسار التقارب بين مصر وتركيا يشكل مؤشرًا على أن القاهرة تعتمد نهجًا متوازنًا ومصالحَ وطنية لا تخضع للضغوط الأيديولوجية، معتبرًا أن البلدين يمتلكان معًا القدرة على لعب دور محورى فى ولادة شرق أوسط جديد، بشرط الحفاظ على الثقة السياسية المتبادلة كركيزة لأى شراكة مستقبلية.
مصر والخليج.. من المواقف الرمادية إلى التحالفات البيضاء كتبت- منار السويفى:
تمثل العلاقات المصرية الخليجية واحدة من الركائز الحيوية للأمن القومى العربي، لما للطرفين من ثقل سياسى واقتصادى وروحى فى المنطقة، على الرغم من مرورها بتحولات دراماتيكية، تأرجحت ما بين القلق والفتور إلى الدعم الاستثنائى والتحالف الوثيق، مع اندلاع الثورات العربية منذ 2011، ثم صعود جماعة الإخوان إلى الحكم فى مصر، ومن ثم الإطاحة بها فى ثورة 30 يونيو 2013.
دخلت العلاقات بين مصر وغالبية دول الخليج، باستثناء قطر، فى حالة من التوتر البارد والريبة المتبادلة، خلال حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين.
وشهدت عواصم الدول الخليجية، تهديدا مباشرا لبنية أنظمتها السياسية، فى صعود الإخوان إلى الحكم، خاصة مع ظهور خطاب يدعو إلى «تصدير الثورة» عبر شعارات شعبوية غامضة.
وأظهرت الإمارات العربية المتحدة، بشكل خاص، تخوفها من نوايا الإخوان فى مصر، وأعادت تقييم علاقاتها مع القاهرة، كما توترت العلاقات مع السعودية، والتى اتبعت سياسة أكثر تحفظا تجاه حكومة الرئيس مرسي، رغم أنها أبقت على قنوات التواصل الرسمية.
فى المقابل، ظهرت قطر كالداعم الأكبر لحكم الإخوان، وقدمت مساعدات مالية سخية تخطت 8 مليارات دولار، فضلا عن دعم سياسى وإعلامي، عبر وسائل إعلامها مثل قناة «الجزيرة»، ما اعتبر اصطفافا معلنا خلف مشروع الإسلام السياسى فى مصر والمنطقة.
لقد مثلت ثورة 30 يونيو 2013، التى أطاحت بحكم الإخوان بعد عام واحد فقط من توليهم السلطة، نقطة انعطاف تاريخية فى علاقات مصر مع دول الخليج، فمنذ إعلان عزل الرئيس محمد مرسي، حتى سارعت دول الخليج إلى التعبير عن دعمها الكامل للتحول الجديد.
فى اليوم التالى للثورة، أعلنت كل من السعودية والإمارات والكويت حزمة دعم مالى واقتصادى عاجلة لمصر، بلغت نحو 12 مليار دولار، فى صورة منح وودائع ومساعدات بترولية. ولم تكن هذه مجرد مساعدة مالية، بل كانت رسالة سياسية حاسمة مفادها أن هذه الدول ترى فيما حدث فى مصر تصحيحًا لمسار ثورة يناير.
ودخلت العلاقات المصرية الخليجية، منذ منتصف 2013، فى مرحلة التحالف الاستراتيجى العلني، وعلى رأس هذا التحالف وقفت الإمارات والسعودية، كجزء من استراتيجية إقليمية لمواجهة تمدد الإسلام السياسى الذى طال بعض الدول العربية.
وتبنت الإمارات دعما شاملا لمصر فى مشروعات التنمية والإسكان والبنية التحتية، وشاركت فى مشاريع كبرى داخل العاصمة الإدارية الجديدة، كما دعمت مؤسسات مصرية فى التعليم والطاقة.
أما السعودية، فقد احتفظت بدور سياسى واقتصادى مزدوج، وشهدت العلاقات ذروتها فى عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذى وصف استقرار مصر بأنه «من استقرار السعودية»، وشهدت هذه العلاقة زيارات متبادلة على أعلى مستوى، وتطابقا فى المواقف تجاه ملفات مثل الأزمة السورية واليمنية والليبية.
من جهتها، دعمت الكويت مصر بخط مالى واقتصادى بلغ نحو 4 مليارات دولار وكانت من أولى الدول الخليجية التى أوفدت وفودا دبلوماسية واقتصادية إلى القاهرة لتأكيد الدعم.
أما قطر، فظلت على مسار مختلف، وواصلت دعمها للإخوان، ما أدى إلى استمرار القطيعة السياسية بينها وبين مصر حتى اندلاع الأزمة الخليجية فى 2017، والتى كانت مصر أحد أطرافها إلى جانب السعودية والإمارات والبحرين، فى مواجهة المحور القطري التركي، مع اتفاق العلا فى 2021، بدأت مصر وقطر فى إعادة ترميم العلاقات، وشهدت لقاءات رفيعة المستوى ومشاريع استثمارية قطرية دخلت السوق المصرى فى محاولة لتحسين المناخ السياسي.
ومنذ ثورة 30 يونيو، تتشارك مصر والخليج فى مجموعة من الملفات الكبرى، مثل: مكافحة الإرهاب، حفظ استقرار الدول العربية المتصدعة.
كما نشأت تحالفات إقليمية جديدة غير مسبوقة، مثل «تحالف العلا» أو آلية «الشراكة الصناعية التكاملية» بين مصر والإمارات والأردن والبحرين، وظهر ما يشبه التنسيق الدائم فى قضايا الطاقة، الأمن الغذائي، والاستثمار، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وأصبحت اليوم العلاقات بين مصر ودول الخليج أكثر متانة وتربطها مصالح مشتركة طويلة الأمد، تتجاوز المساعدات إلى شراكات تنموية حقيقية واستثمارات استراتيجية، فى قطاعات الطاقة والموانئ والزراعة والتكنولوجيا.
ولذلك لم تعد العلاقات المصرية الخليجية بعد ثورة 30 يونيو قائمة على الدعم فقط، بل تطورت إلى علاقة تبادلية تقوم على التكامل والشراكة فى بناء مستقبل مشترك عربى فى مواجهة التحديات العالمية.
منذ 3 أيام