العنصرية مقيتة، آفة تصيب المجتمعات وهي مرض خطير بالعقل والقلب والروح، العنصرية ليست مجرد سلوكيات أو عبارات تطفو على السطح؛ إنها مرض عميق يصيب العقل البشري، يغذي الكراهية والتفرقة، ويهدد بتمزيق المجتمعات من الداخل.
في إفريقيا، القارة التي تنبض بالتنوع العرقي والثقافي، تُشكِّل العنصرية أحد التحديات الكبرى التي تعيق تطورها ووحدتها، وأحد عوائق التخلص من الظروف الصعبة المُحبطة والمضي قدمًا نحو المستقبل.
التفرقة العنصرية ليست مشكلة عابرة في إفريقيا، بل هي نار مشتعلة تحت الرماد، تتجلى مظاهرها في الصراعات العرقية، والنزاعات على الموارد، وحتى في سياسات بعض الدول التي تمارس التمييز العرقي كأسلوب للحكم أو السيطرة، ورغم أن إفريقيا شهدت تحررًا من الاستعمار الذي قام على التفرقة والاستغلال، إلا أن بقايا هذا الفكر الاستعلائي ما زالت تعيق تقدمها، بل أن مظاهر متعددة من العنصرية والإقصاء في اشكاله المتعددة ومنها الإقصاء العرقي، الديني، القبلي، والسياسي، والمجتمعي، كل هذه المظاهر إنما تمثل انعكاسًا للعنصرية في أشكال متعددة، لكنها جميعًا تشترك في الآثار السلبية المدمرة للمجتمعات.
عنصرية الاستعمار وآثارها المستمرة
لقد كانت العنصرية أداة أساسية في يد المستعمرين الذين قسموا الشعوب الإفريقية على أسس عرقية ولونية، وزرعوا بذور التفرقة في مجتمعاتها، وبعد الاستقلال، ورثت العديد من الدول الإفريقية هذه الانقسامات، حيث استمرت السياسات والتوجهات العنصرية في تحديد مسار الحكم والتفاعل المجتمعي، هذه الظاهرة ليست مجرد إرث ماضٍ، بل تحدٍ حقيقي يواجهه القادة والمجتمعات الإفريقية اليوم.
العنصرية الجديدة.. قناع الحداثة
في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن حقوق الإنسان والمساواة، نجد أن العنصرية أخذت أشكالًا جديدة، لم تعد تقتصر على لون البشرة أو العرق، بل امتدت إلى الطبقية الاجتماعية، والسياسات الاقتصادية، وحتى الفرص المتاحة.
في إفريقيا، يظهر ذلك في التهميش الاقتصادي لبعض المناطق، وفي إقصاء مجموعات عرقية من المشاركة في صنع القرار، أو في التقليل من رأي وإرادة مجموعات عرقية وقبلية لصالح أخري بالتفضيل أو بالتقديم.
العالم وموقفه المزدوج
ينبغي الإشارة إلى ازدواجية المعايير التي يمارسها العالم في التعامل مع قضايا العنصرية، ففي الوقت الذي تُشَن فيه حملات حقوقية على بعض الدول الإفريقية بذريعة العنصرية، يتم تجاهل جرائم كبرى تُمارَس في الدول المتقدمة نفسها، فكيف يمكن للعالم أن يدعو إلى المساواة وهو يمارس التمييز في اهتمامه وأولوياته؟! بل ان معظم اهتمامات حقوق الإنسان هي في الأساس مصطنعة، وموجهة من دول هي ذاتها منتهكة لهذه الحقوق التي تنادي بها، بينما لا تلتفت هذه الدول لحق الحياة الكريمة والحصول على أقل متطلبات ومبادئ الحياة الأساسية في مجتمعات الدول الفقيرة والنامية، وتركز فقط هذه الدول صاحبة الامتياز من وجهة نظرها في ملف حقوق الإنسان على ملف الحقوق السياسية فقط أو المثلية الجنسية، متجاهلة ان البطون الخاوية، والأجسام المريضة المنهكة في الدول الإفريقية، تستحق اهتمام ودعم ومساعدة أكبر في هذه الأمور الحياتية ذات الصلة بيومهم العادي قبل أي حقوق أخري.
الطريق نحو الخلاص
لكي تتمكن إفريقيا من التخلص من العنصرية وآثارها، تحتاج إلى معالجة جذرية تبدأ من التعليم والتوعية، يجب أن تتبنى الحكومات سياسات تُعزِّز من قيم المساواة والتنوع الثقافي، مع توفير فرص متكافئة لجميع المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية.
كما يجب على الشعوب الإفريقية أن تدرك أن قوتها تكمن في وحدتها، فالقارة التي تتسم بتنوعها الثقافي والعرقي يمكن أن تتحول إلى نموذج عالمي للتعايش إذا ما استثمرت هذا التنوع في تحقيق التنمية.
دور مصر.. نموذج يُحتذى به
تلعب مصر، بثقلها التاريخي والثقافي، دورًا محوريًا في تعزيز قيم المساواة ومواجهة العنصرية في إفريقيا، من خلال مشروعاتها التنموية وشراكاتها الاقتصادية، تعمل مصر على تعزيز التعاون الإفريقي وتكريس مفهوم الوحدة بين الشعوب، بل أن مصر تتبني دائمًا حقوق الحياة الكريمة لمواطنيها، ولكل مواطني الدول الإفريقية كحق أصيل وهام وأولى من حقوق الإنسان، وتنادي مصر بهذا دائمًا، بل وتعمل من أجل ذلك على مستوى كافة ربوع القارة الإفريقية.
أخيرًا.. العدالة للجميع
القضاء على العنصرية، ليس خيارًا بل ضرورة لبناء مستقبل أفضل.
إفريقيا، بقيمها وتاريخها الغني، قادرة على أن تكون مثالًا يُحتذى به في التعايش والمساواة، ولابد أن يتحد الجميع، حكومات وشعوبًا، لوضع حد لهذا المرض الذي يهدد سلامة المجتمع الإنساني.
وعلى الجميع أن يُدرك أن العنصرية ليست موجهة ضد الآخر فقط، بل ضد الإنسانية جمعاء، فلنتحرر منها قبل أن تحرقنا جميعًا.
منذ 6 ساعات