"هذا ليس فشلاً فقط، إنه خيانة"، كانت هذه هي الكلمات القاسية التي استخدمتها مجموعة من الدول الفقيرة المعروفة بالدول النامية (LDCs) لتقييم محادثات كوب 29 للأمم المتحدة حول المناخ.
وإضافة إلى تحالف الدول الجُزريّة الصغيرة (AOSIS)، سادت خيبة الأمل بعد أن انتهت القمة باتفاق لتخصيص 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035 لمكافحة تغير المناخ، وهو مبلغ أقل من ربع الـ 1.3 تريليون دولار سنوياً الذي طالبت به الدول النامية بشكل متكرر.
وتتفاوض حوالي 90 دولة من التي تعتبر الأكثر عرضة لتغيرات المناخ، ككتل في هذه المحافل، وكان من الواضح أن ممثليها كانوا في حالة من الإحباط بسبب الفجوة بين مطالبهم وما كانت الدول الغنية على استعداد للموافقة عليه.
انسحاب الدول النامية احتجاجاً على نتائج القمة وانسحبت المجموعتان مؤقتاً من المحادثات، بحجة أنهما تعرضا للإقصاء من المفاوضات الحاسمة في اللحظات الأخيرة.
وأثار هذا الانسحاب مخاوف من انهيار مؤتمر كوب 29، خاصة بعد أن شهد الاجتماع فوضى إثر رفض الدول النامية لعرض أولي بمقدار 250 مليار دولار سنوياً من الدول المتقدمة.
لكن بعد ساعة تقريباً من الانسحاب، أكدت الدول النامية (LDCs) وتحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS) التزامهما بمتابعة عملية المفاوضات.
وقال رئيس AOSIS، الدكتور فاتومانافا-أو-أبولو الثالث، في منشور على منصة "إكس": "نحن مازلنا هنا"، مضيفاً: "لكي تكون المحادثات مثمرة، يجب أن تكون شاملة، لا يمكن تجاهل أصوات الأكثر ضعفاً".
وفي الوقت نفسه، قال إيفانز نجيوا من مالاوي، رئيس مجموعة الدول النامية: "نحن مازلنا مهتمين بالمحادثات حتى نحصل على اتفاق عادل".
لكن ما الذي جعلهم يعودون بهذه السرعة؟
في مفاوضات المناخ التابعة للأمم المتحدة، لا يتم اتخاذ قرارات حتى يتم الاتفاق من قبل جميع الدول الـ197 الأعضاء، وبالتالي يمكن لدولة واحدة أن تعرقل سير الاجتماع.
عائق أمام الاتفاق هناك خطر من أن تُتهم الدول المعترضة بأنها تعرقل عملية الاتفاق، بينما تسعى العديد من الدول للتوصل إلى توافق وسط مصالح متباينة وأحياناً متناقضة.
ومن الواضح أن تكتلات الدول النامية (LDC) وتحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS) لم ترغب في أن يُنظر إليها على أنها تعيق التقدم أو عملية المفاوضات.
وقال السيد نجيوا: "نحن لا نعرقل أي شيء، الدول الأقل نمواً لم تعرقل أي شيء"، وأضاف: "كل ما نقوله هو أننا بحاجة للتحرك معاً، نحن نطالب بإعادة القضايا التي طرحناها بشأن التمويل المناخي غير الكافي إلى الطاولة".
ويُوصف مؤتمر كوب 29 بأنه "مؤتمر التمويل"، إذ يهدف إلى تأمين التزامات مالية جديدة من الدول الغنية لدعم الدول النامية في وضع خطط طموحة للحد من انبعاثات الكربون والتعامل مع الكوارث المناخية.
ويحتاج العالم إلى خفض أكثر من 40 في المئة من انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2019، وكان من الممكن تقليص ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية مقارنة بالمستويات التي كانت عليها قبل الثورة الصناعية.
ويؤكد العلماء أن هذا الحد هو ما يمكن أن يحمينا من تغيرات مناخية كارثية.
وأصبح كوكب الأرض الآن أكثر سخونة بمقدار 1.2 درجة مئوية مما كان عليه في بداية الثورة الصناعية، وباتت الكوارث المناخية تتزايد في جميع أنحاء العالم.
الدول الفقيرة تطالب بمبلغ 1.3 تريليون دولار سنوياً نتيجة لذلك، كانت الدول النامية تطالب بمبلغ تريليون دولار سنوياً لخطة المناخ الجديدة الخاصة بها، بينما كانت مجموعة أخرى - الدول الأفريقية - تطالب بمبلغ 1.3 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030، إلا أن الدول المتقدمة لم تلتزم بأي مبلغ.
وحين قدّموا أخيراً مبلغ 250 مليار دولار، وهو ربع المبلغ الأدنى الذي طُلب، رفضته الدول النامية، وكان الاجتماع على وشك الانهيار.
وواجهت منتديات المناخ التابعة للأمم المتحدة بالفعل انتقادات من مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك السياسيين ومنظمات الإغاثة، لكونها قد تحولت إلى مجرد أماكن للمناقشات دون تقدم حقيقي.
وعلى مدار 29 عاماً من مؤتمرات كوب، كانت هناك دعوات للدول للمشاركة والتحرك قدماً، لضمان إنقاذ عملية المفاوضات، وكان الضغط يتزايد على الدول الأقل نمواً وتحالف الدول الجزرية الصغيرة للعودة إلى طاولة المفاوضات.
الدول تتعاون معاً وتتطلب أزمة المناخ، كونها تهديداً عالمياً، أن تعمل جميع البلدان معاً، ويعتبر مؤتمر كوب ملتقى نادراً، حيث تلتقي فيه الدول ويمكن للدول الضعيفة والفقيرة أن تُسمع أصواتها.
وتقول تلك الدول إنه دون هذا المنتدى متعدد الأطراف، قد لا يكون هناك مكان للاجتماع ومحاسبة أكبر ملوثي الكوكب، والمطالبة بالعدالة المناخية.
وقال رئيس تحالف الدول الجزرية الصغيرة، الدكتور لوتر في بيان: "يظل تحالف الدول الجزرية الصغيرة ملتزماً بهذه العملية ويشارك هنا بإيجابية لضمان أفضل صفقة لا تحمينا نحن فقط، بل تحمي العالم أجمع من أسوأ أثر لتغير المناخ".
وكان مؤتمر كوب في نسخة العام الماضي، هو الأساس التاريخي لصندوق الخسائر والأضرار الذي كانت تطالب به كل من الدول الأقل نمواً (LDC) وتحالف الدول الجزرية الصغيرة (AOSIS) منذ سنوات.
وهذا الصندوق مخصص بشكل خاص لهذه الدول الفقيرة، وهو موجه للمجتمعات التي لم تعد قادرة على التكيف مع بعض آثار تغير المناخ أو التعافي منها، والتي ستحتاج إلى إعادة توطين في مكان آخر مع وسائل معيشة جديدة.
وجمع الصندوق مبلغاً ضئيلاً، لكن دول LDCs ودول AOSIS تضغط من أجل زيادة المبلغ المطلوب من خلال المؤتمرات المناخية التابعة للأمم المتحدة.
وقالت تقارير حديثة للأمم المتحدة إن الدول النامية بحاجة إلى ما بين 187 مليار دولار و359 مليار دولار سنوياً، فقط من أجل التكيّف، بينما تلقّت في عام 2022 مبلغ 28 مليار دولار فقط لهذا الغرض.
وقال خوان كارلوس مونتيري جوميز، الممثل الخاص لبنما لشؤون تغير المناخ: "دائماً ما تلقي علينا الدول المتقدمة النصوص في اللحظة الأخيرة، ومن ثم، يجب علينا دائماً قبولها من أجل التعددية ".
وأضاف: "وإلا فإن آليات المناخ ستدخل في دوامة سقوط رهيبة، ولا أحد يحتاج إلى ذلك".
إرضاء الدول المانحة وتعتمد العديد من الدول الفقيرة من كتل LDC وAOSIS على المساعدات التنموية من الدول الغنية بشكل مستمر.
وهذا يجعلها حريصة على عدم إثارة غضب تلك الدول من خلال مقاطعة أو التخلي عن مفاوضات المناخ، خاصة مع وجود الدول المتقدمة على الطرف الآخر من المفاوضات.
واعتبرت الدول المتقدمة أن اتفاق الـ 300 مليار دولار في كوب 29 هو خطوة هامة نحو تقدم تمويل المناخ.
وقال مفوض المناخ في الاتحاد الأوروبي، ووبكه هوكسترا: "بفضل هذه الأموال وهذه الهيكلية، نحن واثقون من أننا سنصل إلى هدف 1.3 تريليون دولار".
لكن الناشطين في مجال المناخ مثل هارجييت سينغ، الذي يقود حملة لمعاهدة منع انتشار الوقود الأحفوري، يعتقدون أن الدول الغنية استغلت نفوذها على الدول الفقيرة لتحقيق مصالحها.
منذ 3 ساعات