الحياةُ مزيجٌ من صخبٍ وهدوءٍ، راحةٍ وتعبٍ، مرضٍ وشفاءٍ، وكثيرٍ من التَّناقضاتِ التي لولا وجودُ إحداها لما شعرَ الإنسانُ بقيمةِ الأخرى، وحمد الله على ما هو فيه من نِعمٍ. وقد خلقَ الله الإنسانَ على هذه الأرضِ ليعمِّرها، ويعيشَ عليها، ويعملَ بها بما يعودُ عليه بالفائدةِ، ولا يعني ذلك أن يقضي حياتَه في عملٍ مستمرٍّ، بل شرَّع له الرَّاحة بنوعَيها الجسديَّة والنَّفسيَّة، ذلك أنَّ الرَّاحة النَّفسيَّة قد تفوقُ الجسديَّة، نظراً لأهميَّتها للجسمِ، ولما لها من دورٍ مهمٍّ في القدرةِ على متابعةِ الحياةِ، واكتشافِ ما يحمله داخلَ المرءِ من إبداعٍ وقوَّةٍ خارقةٍ، تساعده في اكتشافِ كلِّ جديدٍ مجهولٍ سواءً في ذاته، أو في الكونِ من حوله.
جميعنا يسعى في العطلةِ الأسبوعيَّة لوضعِ خطَّةٍ للخروجِ من المنزلِ مع عائلته لكسرِ الرُّوتين الأسبوعي، وتجديدِ الطَّاقةِ الدَّاخليَّةِ لأفرادِ الأسرةِ، فبعضهم يجدُ في البحرِ ملجأً له، وآخر يهوى الذَّهابَ للجبالِ، في حين يحبُّ أشخاصٌ الاستماعَ للموسيقى، أو التوجُّه للنَّوادي التي تعلِّمُ العزفَ على الآلاتِ، أو التدرُّبَ في النَّوادي الرِّياضيَّة وهكذا. المهمُّ، هو ممارسةُ الهواياتِ بعيداً عن العملِ الأسبوعي، لتنشيطِ الجسمِ جسداً وذهناً، وتجديدِ الرَّاحةِ الدَّاخليَّةِ لصفاءِ الذِّهنِ، ما يساعدُ الإنسانَ في اكتشافِ ذاته، ومعرفةِ نقاطِ القوَّةِ لديه، وما يتمتَّعُ به من إيجابيَّةٍ، فمثلاً النَّظرُ للبحرِ، ومداه الواسعِ، ولونه الأزرقِ الفضي المتلألئ، يعطي راحةً نفسيَّةً، وشعوراً بالهدوءِ الدَّاخلي، والاستقرارِ، بينما يفضِّلُ بعضهم النَّظر للونِ الأخضرِ، فيجدُ في الأشجارِ والعشبِ اتِّزاناً داخلياً، وترتيباً لما في داخله من فوضى، كما أنَّ اللون الأخضرَ مريحٌ للنَّظر، ويخفِّفُ الضَّغطِ على العينِ، ويعطي قوَّةً لها، وبالتَّالي يقلِّلُ من التَّوتُّر والقلقِ، ويعيدُ السَّكينةَ للنَّفس.
ولا ننسى هنا دورَ الموسيقى وأثرها الكبيرَ في زرعِ الهدوءِ أوَّلاً في الأذنِ، التي بدورها تنقلُه لأنحاءِ الجسمِ، كأنَّه سيالةٌ عصبيَّةٌ هادئةٌ، تسهمُ في تنظيمِ المشاعرِ والعواطفِ، وتأخذُ المرءَ بعيداً عن صخبِ الحياة. كلُّ هذا من شأنه أن يسهمَ في تطويرِ الذَّكاءِ العاطفي للإنسانِ لما لهذه الأشياءِ من دورٍ عظيمٍ في ترتيبِ المشاعرِ الدَّاخليَّةِ، وكذلك ترتيبِ الفوضى التي يعيشها الإنسانُ خلال أسبوعٍ شاقٍّ من العملِ والضُّغوطِ، بالتَّالي خلقُ بيئةٍ نظيفةٍ داخلياً، فينطبعُ أثرها على البيئةِ الخارجيَّة وما يحيطُ بالمرء.
نستنتجُ ممَّا سبق، أنَّ عجلةَ الحياةِ، تحتاجُ إلى وقتٍ من الرَّاحةِ حتَّى تستعيدَ نشاطها وقوَّتها، وتستطيعَ متابعةَ مسيرتها مثل عجلةِ السَّيَّارةِ التي تحتاجُ إلى صيانةٍ دوريَّةٍ، فيتمُّ تجديدها، بالتَّالي تتابعُ مسيرها على الطَّريق.
منذ 10 ساعات