بدتِ الصورةُ المنشورة مؤخراً على صدر صفحات الجرائد، غير قابلة للتجاهل، ولافتة للانتباه، ومدعاة للاهتمام، حتى لغير المهتمين بالشأن السياسي.
الصورةُ المعنية تجمع بين الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، والرئيس المنتخب دونالد ترمب، في المكتب البيضاوي، بالبيت الأبيض، وهما جالسان على كرسيَّين مريحَين، يتدفآن بنار مدفأة تبدو في الخلفية واضحة وجميلة، وأمامهما على منضدة صغيرة باقة من ورود حمراء، تزيد من حرارة دفء الاجتماع والأُنس.
الأهمُّ من ذلك أن الرجلَين/ الرئيسَين في الصورة يوحيان للناظر وكأنهما صديقان قديمان التقيا بعد فراق سنوات طويلة، يتجاذبان أطراف حديث عن حكايات ومواقف قديمة، لا تخلو من طرافة.
هل نصدِّق الصورة التي التُقطت لدى استقبال الأول للثاني يوم الأربعاء المنصرم في البيت الأبيض بواشنطن دي سي، للتباحث حول تسليم سلمي وهادئ للسلطة في يوم 20 يناير (كانون الثاني) 2025، أو نصدِّق ما نعرفه عنهما، وما شهد به كل واحد منهما ضد الآخر في خطابات علنية، منذ أيام قليلة سابقة ليوم الاقتراع، ومنقولة مباشرة على القنوات التلفزيونية الأميركية والدولية؟
الرئيس بايدن كان حريصاً، في كل خطاباته، على تحذير الأميركيين من انتخاب دونالد ترمب؛ لكونه - حسب زعمه - خطراً على الديمقراطية الأميركية.
وعلى الجانب الآخر، ظل الرئيس المنتخب ترمب يصف الرئيس جو بايدن بكونه أسوأ رئيس عرفته الولايات المتحدة الأميركية. وفي رأيي الشخصي، فإن الوصفين لم يجانبا الصواب.
العديد ممن يقفون على الضفة المقابلة للرئيس المنتخب دونالد ترمب، يتمنَّون لو أن بيدهم مقاليد الزمن؛ كي يتمكنوا من إيقافه في نقطة معينة، وإغلاق الأبواب وإحكام أقفالها؛ كي لا يتمكن عام 2024 من الخروج، مُفسحاً المكان لعام 2025، لبدء مرحلة ترمبية ثانية! لكن الزمن هو الزمن، لا يخضع لسيطرة. يواصل سيره للأمام بلا مبالاة. وليس أمام أنصار الرئيس المنتخب ترمب وخصومه، على السواء، في أميركا والعالم، سوى التأهب والاستعداد لاستقبال عام جديد وشيك، حاملاً إليهم في صِراره الكثيرة مفاجآت قد تبهج البعض، ومن المحتمل كذلك أن تذهب بعقول البعض الآخر من شدة الغيظ.
الشعب الأميركي قال كلمته في الانتخابات. والأميركيون بأغلبية ملحوظة منحوا أصواتهم وثقتهم لرئيس سابق، يعرفونه جيداً، بهدف أن يقودهم لمدة أربع سنوات أخرى. فأين المشكلة؟
المشاكل لا تأتي بها الرياح أو تقذف بها أرواحٌ لا مرئية. المشاكل بشرية، ومن صُنع البشر. والبشر تحكمهم مصالحهم. ووُجدتِ السياسة والأحزاب منذ القدم لتحدد مصالح كل فئة مجتمعية، بهدف حمايتها من الآخرين وتطويرها.
اختلاف المصالح كان وراء ظهور المشكلة؛ فما ينفع فئة أو طائفة أو شعباً، قد يضر بمصالح غيرهم. ومهمة الرئيس المنتخب ترمب - حسب برنامجه المعلن - حماية مصالح الشعب الأميركي وتطويرها؛ ولهذا السبب قاد حملة انتخابية هائلة تحت شعار: «لنجعلْ أميركا عظيمة ثانية». وحظي بتأييد أغلبية الأميركيين.
العظمة الموعودة والمأمولة ستكون بالضرورة على حساب مصالح شعوب ودول وأمم أخرى، حسب ما يردده ويتفق حوله الساسة والاقتصاديون والمحللون السياسيون. لكن هذه المشكلة تحديداً، لا تُهمُّ المواطنين الأميركيين الذين صوَّتوا لصالح ترمب، ولا يَضيرهم ما قد يحُلُّ بمصالح الآخرين من ضرر.
ما يُهمُّهم هو أن يفي الرئيس المنتخب ترمب بوعوده، ويعيد لأميركا ثانيةً ما فقدت من عظمة. اللافت للاهتمام، أن أميركا، بعد ما يقرب من 250 عاماً من ظهورها كدولة على خريطة العالم، أضحت أكبر قوة سياسية وعسكرية واقتصادية، لم يرَ العالم مثلها منذ قرون طويلة. فهل توجد عظمة أكثر من ذلك؟
الصورة السالفة التي جمعت بين رئيسَين، واحد في طريقه إلى المغادرة، وآخر في طريقه إلى الحلول مكانه، تبدو عادية جداً في سياقها السياسي المتعارف عليه. المقصود منها التأكيد على استمرار التقاليد الأميركية السلمية في انتقال السلطة، رغم علمنا المسبق أن الرئيس المنتخب ترمب، خرج عن تلك التقاليد حينما كان رئيساً، ورفض في عام 2020 استقبال الرئيس المنتخب آنذاك جو بايدن، بسبب رفضه نتيجة الانتخابات.
أميركا دونالد ترمب من 2025 إلى 2028، ستكون مختلفة عن أميركا جو بايدن وكامالا هاريس، وباراك أوباما، وبيل كلينتون... إلى آخر القائمة. الاختلاف لن يتوقف عند حد طرد مهاجرين غير قانونيين في عمليات ترحيل لم تُشهد من قبل. الاختلاف، هذه المرّة، ليس مسبوقاً، وعلى مستوى العالم.
منذ 3 ساعات