شهد هذا الأسبوع الماضي أعمال عنف ضد اليهود عبر أوروبا، تبدو كصورة عكسية لأوروبا من القرن الماضي.
في أمستردام، وقعت سلسلة من الهجمات العنيفة المنسقة في جميع أنحاء المدينة طوال الليل. أمّا في برلين في نفس اليوم، تعرض الأطفال اليهود لإهانات معادية للسامية في ملعب كرة قدم، ثم طاردهم حشد مسلح بالسكاكين. وفي أنتويرب، ازدهرت وسائل التواصل الاجتماعي بدعوات لـ "صيد اليهود" وتم إلقاء القبض على خمسة أشخاص قبل أن ينفذوا مخططهم.
انتشار التطرف لدى سكان أوروبا بدعاية مثيرة للجدل تُضخ في بياناتهم اليومية عبر وسائل إعلام مثل الجزيرة أو حسابات مرتبطة بحماس وراعيها في طهران، سواء كرر المسؤولون المنتخبون والشخصيات العامة والقادة الدينيون هذه الأكاذيب أو، ربما أسوأ من ذلك، اختاروا عمدًا عدم التحدث. وفي خضم ذلك، ينتشر الإنحياز الكامن في معاداة السامية الحركية ثم تنفجر في أعمال عنف في العالم الحقيقي.
هذه الأحداث الأخيرة شبه متوقعة، إذ أظهر استطلاع عام 2023 أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية أن المجتمعات اليهودية في جميع أنحاء القارة تتعامل يوميًا مع تهديد العنف المعادي للسامية وتشعر بعدم القدرة على العيش بحرية وعلانية كيهود.
جرائم الكراهية
توصّل الاستطلاع إلى أن أكثر من نصف المجتمع اليهودي في الاتحاد الأوروبي قلقون من أن يصبحوا ضحايا لجرائم الكراهية، ثلاثة من أصل أربعة يتجنبون ارتداء رموز يهودية ظاهرة لأسباب تتعلق بالسلامة، واحد من كل ثلاثة يتجنبون المناسبات اليهودية بسبب الخوف على أمنهم. وأجري هذا الاستطلاع قبل تفجّر معاداة السامية العنيفة التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. فمن الصعب تخيل ما ستشير إليه البيانات الآن.
وذلك لأن الوضع لا يزال يتدهور منذ 7 أكتوبر. ارتفعت الحوادث المعادية للسامية إلى مستويات قياسية عبر أوروبا. في فرنسا، مثلا، موطن أكبر مجتمع يهودي في القارة، ارتفعت الحوادث المعادية لليهود بمقدار عشرة أضعاف في الأشهر الثلاثة التي تلت 7 أكتوبر.
ولم تخف هذه الموجة بعد حيث أفادت وزارة الداخل الفرنسية بأن الحوادث ازدادت ثلاثة أضعاف عند المقارنة بين النصف الأول من عام 2024 والفترة نفسها من عام 2023.
المجتمعات اليهودية قلقة من ازدياد المواقف المعادية للسامية بين جيرانهم، كجزء من فريق المهام الكبرى للمجتمعات ضد معاداة السامية ، أجرت أي دي أل ADL استطلاعًا للرأي في عام 2024 حول المواقف المعادية للسامية في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والأرجنتين حيث كشف الاستطلاع أن 56٪ من جميع المستجوبين في هذه البلدان السبع وافقوا على الأسطورة القديمة أي "الولاء المزدوج"، أي فكرة أن اليهود أكثر ولاءً لإسرائيل من بلدهم الأصلي.
هذا ليس سوى واحد من بين عدة مواضيع بدلاً من أن تختفي في عصرنا الحديث، تبدو وكأنها تتقدم وتكتسب زخمًا.
إذًن، ما العمل؟
معالجة معاداة السامية يتطلب التركيز على ثلاثة مجالات رئيسية: الأمن والتعليم والقيادة السياسية. حيث تقع مسؤولية تعزيز هذه الجهود بشكل كبير على عاتق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
قدمت المفوضية الأوروبية مساهمات كبيرة في هذا الصراع من خلال تعيين منسق للمفوضية الأوروبية لمكافحة معاداة السامية وتعزيز الحياة اليهودية، كما تمول المفوضية برامج في الدول الأعضاء لمعالجة معاداة السامية، وتجمع بين المسؤولين وقادة المجتمع اليهودي لتبادل أفضل الممارسات وتحديد الثغرات، وتقرير عن التقدم في تنفيذ الاستراتيجيات والخطط العملية الوطنية.
وبناءً على هذه الجهود، لاحظت آخر تقرير للمفوضية الأوروبية أن 14 دولة فقط من أصل 27 دولة عضو اعتمدت استراتيجيات وطنية منفصلة ضد معاداة السامية، بينما تناولت 9 دول أخرى معاداة السامية في استراتيجياتها العامة لمكافحة العنصرية. وقد حذرت المفوضية من أن بعض الخطط تذكر "معاداة السامية" في السياق الأوسع لجهود مكافحة العنصرية دون معالجة تحدياتها.
ثلاث دول، تبرز لأنها لا تمتلك استراتيجيات منفصلة ولم تحاول حتى دمج معاداة السامية في استراتيجيات مكافحة العنصرية الموجودة لديها: بلجيكا وليتوانيا ومالطا. من بين هذه الثلاث، بلجيكا، بلا شك، لديها أكبر تعداد سكاني يهودي بحوالي 29000 شخص.
باختصار، واحدة من أقدم المدن في أوروبا ومقر البرلمان الأوروبي تبرز كمتأخرة، متخلفة عن أقرانها في محاربة أقدم الكراهيات داخل حدودها.
انفجار 7 أكتوبر 2024
عجز أو عدم رغبة الحكومة في الاعتراف ومكافحة تهديد معاداة السامية ليس مجرد خيار سياسي أو مناورة سياسية.
فمثلا في أبريل الماضي فقط، عبر المجتمع اليهودي عن إحباطه علنًا إذ كتبوا في رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء ألكسندر دي كرو:
"في السنوات الأخيرة، عانى المجتمع اليهودي البلجيكي من آثار معاداة السامية المتزايدة باستمرار، والتي انفجرت حرفيًا منذ 7 أكتوبر [link] في غياب أي علامة على تعاطف حقيقي، يشعر أفراد مجتمعنا بالعزلة والتخلي، إلى الحد الذي يتساءل فيه العديد من اليهود عن مستقبلهم في بلجيكا".
تمتلك الحكومة المقبلة فرصة لاستعادة ثقة المجتمع اليهودي، من أجل أن يحدث ذلك، يجب أن تكافح معاداة الكراهية اليهودية بنشاط وبحزم. يجب وضع استراتيجية وطنية وتنفيذها بالتنسيق مع قيادة المجتمع اليهودي البلجيكي. وبجانب الخطة، يجب اتخاذ إجراءات لحماية الاحتياجات الأساسية للمجتمع اليهودي المحلي.
البديل قاتم، حتى قبل 7 أكتوبر، وجد استطلاع المجتمع اليهودي في الاتحاد الأوروبي أن 51٪ من اليهود فكروا في الهجرة بسبب القيود المفروضة على العيش بشكل علني كيهود اذن ينبغي أن يكون هذا الهروب من قلب أوروبا الغربية غير مقبول في هذه الأوقات، لكن قد يكون وشيكا.
إن الغضب لن يتوقف بمجرّد اختفاء اليهود، فمعاداة السامية تبدأ باليهود، ولكنها لا تنتهي أبدًا باليهود. معاداة اليهود تهدد الآن المجتمع اليهودي البلجيكي هي مثل نار مستعرة. إذا لم يتم احتواؤها والسيطرة عليها، فإن ذلك سيودّي إلى أن تنتشر جذوره وتشعل كل المجتمع البلجيكي.
لقد وصف قادة المجتمع اليهودي البلجيكي وضعهم "بالمأساة الرهيبة" التي يواجهونها: البقاء في بلجيكا والعيش في بلد ظاهريًا في سلام ولكن يتخبط في معاداة السامية المتصاعدة.
---------------
جوناثان أ. غرينبلات هو الرئيس التنفيذي والمدير الوطني لرابطة مكافحة التشهير (ADL)
منذ 7 ساعات