منذ 13 ساعة
السلام الموعود.. كيف يرى ترامب حل الحروب في غزة ولبنان بعد عودته ل«البيت الأبيض»؟

د.أيمن البراسنة: الضغوط الداخلية والخارجية قد تدفع ترامب لوقف التصعيد في الشرق الأوسط

د.عمر البستنجي: دعم إسرائيل بات عبئاً على دافعي الضرائب وسبباً في تفوق ترامب انتخابياً

هاني الجمل: ترامب رجل الصفقات الذي يغازل العرب والمسلمين و يدعم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي

في ظل التصعيد المستمر في النزاعات التي يشهدها كل من غزة ولبنان، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضوء على سياسته المحتملة أثناء حملته الانتخابية في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية 2024، فقد تعهد ترامب بإنهاء الحروب في المنطقة، مشيرًا إلى أنه سيسعى إلى إنهاء "المعاناة والتدمير" في لبنان، كما وعد بإيجاد حل سريع للقتال المستمر في غزة، في حين أن هذه التصريحات قد تبدو كأحد الحلول المبدئية للأزمة الإقليمية، فإنها تثير تساؤلات حول كيفية تحقيق الهدف في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية التي تواجهها كل من إسرائيل وحركات مثل حزب الله وحماس.

ترامب، الذي أبدى دائمًا دعمًا قويًا لإسرائيل خلال فترات حكمه السابقة، يشدد على أنه سيعمل من أجل سلام دائم في الشرق الأوسط، مؤكدًا على أن فترته الرئاسية الأولى شهدت هدوءًا نسبيًا في المنطقة، وفي تصريحات سابقة، قال ترامب إنه يريد إنهاء الصراع في غزة "في أسرع وقت ممكن"، داعيًا إلى وقف إطلاق النار وإعادة السلام، مشيرًا إلى أن الحرب تؤدي إلى تدمير الصورة العالمية لإسرائيل.

ومع ذلك، تتسم تصريحات ترامب بتحديات عديدة، حيث يبقى دعم إسرائيل في قلب سياسته، فبينما يؤكد على الحاجة إلى إنهاء الحرب، لا يشير بوضوح إلى الضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية، هذا الموقف قد يصطدم بالتزامات ترامب تجاه إسرائيل وتوجهاته لمواصلة الضغط على إيران وحلفائها في المنطقة، كما أن الصراع في لبنان، الذي تطور إلى معركة إقليمية أكبر، يعكس انقسامات أعمق بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط، مما يجعل دعوات ترامب لوقف الحرب في لبنان أكثر تعقيدًا.

تُعتبر هذه التصريحات كانت جزءًا من استراتيجية انتخابية التي أدت إلى فوزة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية وتسببت فى كسب دعم الناخبين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، خاصة في ولايات حاسمة مثل ميشيغان، حيث يعتقد ترامب أن لديه فرصة لتغيير توازن القوى الانتخابي، وفي الوقت نفسه، يشير بعض المحللين إلى أن تصريحات ترامب قد تكون مجرد محاولة للظهور كزعيم قادر على إنهاء الصراعات التي تؤثر على الأمن الإقليمي والعالمي.

إذا نجح ترامب في تحقيق وعوده بإنهاء هذه الحروب، فهل سيشكل ذلك تحولًا جذريًا في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ومع ذلك، فإن القدرة على تنفيذ هذه الوعود ستظل رهينة بالتطورات السياسية والعسكرية المعقدة في المنطقة، هذا ما يوضحة خبراء الأهرام العربي في هذا التحقيق .

الجاليات العربية

في البداية، قال الدكتور أيمن البراسنة، نائب عميد كلية الأمير الحسين للعلوم السياسية والدراسات الدولية في الجامعة الأردنية، إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعد بإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن هذا قد يدفعه إلى اتخاذ موقف أكثر حسمًا لوقف الحرب في غزة ولبنان في أقرب وقت ممكن، وأضاف أن الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان قد أبرزت دعم الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة جو بايدن لإسرائيل، من خلال تقديم الغطاء السياسي والإعلامي والعسكري الذي ساعد الحكومة الإسرائيلية في تمديد فترة الحرب.

وأشار البراسنة إلى أن الولايات المتحدة في عهد بايدن تشهد حالة عداء غير مسبوقة في الشرق الأوسط، بسبب انسجام الحزب الديمقراطي مع الأهداف الإسرائيلية، فضلًا عن المواقف المناهضة للحرب التي أظهرتها الجاليات الإسلامية والعربية في الولايات المتحدة، وكذلك الطلاب في الجامعات الأمريكية، وتابع البراسنة أن هذه العوامل من الممكن أن تؤثر في سياسة ترامب تجاه القضية الفلسطينية، خاصة في ظل تحولات الرأي العام في الولايات المتأرجحة التي كانت تدعم بايدن في انتخابات 2020، ولكنها أظهرت تأييدًا لترامب في الانتخابات الأخيرة.

وأوضح البراسنة أن هذا التحول قد يعكس رغبة الجاليات العربية والإسلامية في إنهاء الحروب في المنطقة، حيث يرى كثيرون في ترامب القيادة الأمريكية التي قد تساهم في وقف هذه الحروب، وأكد أن دوائر صنع القرار في واشنطن تدرك أن استمرار النزاع في المنطقة سيؤثر سلبًا على مصالح الولايات المتحدة، مما سيدفع ترامب إلى الضغط لوقف الحرب، مع الحفاظ على الدعم لإسرائيل ولكن بعيدًا عن لغة التهديدات.

وتابع البراسنة قائلًا: "من المحتمل أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو ستستجيب لهذا الضغط خوفًا من فقدان الدعم الأمريكي، الذي يمثل أحد أهم حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة."

وأضاف أن ترامب قد يكون أكثر سخاءً مع إسرائيل في حال وقف الحرب، مشيرًا إلى أن إدارته قد لا تمارس ضغوطًا بشأن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، بل قد تضمن التوسع في مشاريع التوطين في إطار ما يمكن تسميته بـ"صفقة القرن 2".

وفيما يتعلق بمسار الحلول السياسية، أكد البراسنة أن الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب قد تسعى إلى تعزيز مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي، حيث من الممكن أن تعيد صياغة مبادرات مثل "صفقة القرن" لتشمل آليات جديدة قد تقترب من فكرة إقامة كونفدرالية مع الأردن، وأوضح أن ذلك قد يكون حلاً مقترحًا للمستقبل الفلسطيني على ما تبقى من مساحة الضفة الغربية، مع إبقاء مصر بوابة لحل قضايا قطاع غزة.

أما عن الفترة المقبلة، قال البراسنة إن الشهرين القادمين سيكونان حاسمين في تحديد ملامح السياسة الأمريكية تجاه النزاع في غزة ولبنان، مشيرًا إلى أن ترامب قد يرسل رسالة إلى نتنياهو يطالبه فيها بإنهاء الحرب قبل توليه رسميًا منصب الرئيس في يناير 2025.

أضاف الدكتور أيمن البراسنة أن ترامب، خلال فترة رئاسته الأولى، حقق اختراقًا كبيرًا في عملية التطبيع العربي الإسرائيلي، حيث قدم دعمًا قويًا لهذا المشروع من خلال توقيع اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل وأربع دول عربية، وأوضح أن هذه الاتفاقيات لم تتضمن تثبيت الحقوق الفلسطينية كما هي منصوص عليها في القرارات الدولية، ما جعلها تثير اعتراضات فلسطينية وأردنية.

وتابع البراسنة أن ترامب من المتوقع أن يسعى، خلال فترته الرئاسية الثانية، إلى تفعيل مشاريع التطبيع العربي الاقتصادي والسياسي، مع محاولة إدارة القضية الفلسطينية بعيدًا عن المواجهات العسكرية. وأشار إلى أن ترامب قد يواصل سياسة الضغط على الفلسطينيين في مجالات مثل وقف تمويل الأونروا وغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، كما حدث في فترته الأولى.

وأوضح البراسنة أن ترامب كان قد نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس في عام 2017، وأعلنها عاصمة موحدة لإسرائيل، بالإضافة إلى طرحه خطة "صفقة القرن" في عام 2020، التي رفضها الفلسطينيون ولاقى معارضتها الأردن بسبب ما اعتُبر تقليصًا للحقوق الفلسطينية وانتقاصًا من حل الدولتين.

وأضاف البراسنة أن نتنياهو قد يستغل الفترة المتبقية حتى تنصيب ترامب في يناير 2025 لتنفيذ المزيد من الهجمات في غزة ولبنان، على أمل تحقيق أهداف إسرائيل قبل أن يتم وقف العمليات العسكرية، وأوضح أن هذه الفترة ستكون حاسمة في تحديد ملامح التوجه الأمريكي بشأن الحرب في المنطقة، مع إمكانية أن يطلب ترامب من نتنياهو إنهاء الحرب قبل استلامه رسمياً للسلطة في البيت الأبيض.

دلالات متعددة

من جانبه، قال الدكتور عمر أحمد البستنجي، الباحث الأردني في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، إن مسألة إنهاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحرب في غزة ولبنان باتت محط اهتمام الشارع العالمي بشكل عام والعربي بشكل خاص، وأكد البستنجي قائلاً: "الإجابة على هذا التساؤل بكل بساطة هي نعم؛ سيعمل ترامب على إنهاء هذه الحرب لعدة اعتبارات مهمة".

وأوضح الدكتور البستنجي أن أبرز هذه الاعتبارات يكمن في فلسفة ترامب تجاه إدارة الملفات الخارجية، إذ يميل إلى حل النزاعات من خلال عقد الصفقات الاقتصادية بدلاً من إشعال الحروب، مضيفاً أن "خطابات ترامب الانتخابية الأخيرة تؤكد تركيزه على إنهاء النزاعات وتفضيله إعطاء الأولوية للقضايا الاقتصادية التي تهم المواطن الأميركي في المقام الأول".

وتابع البستنجي بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل خلال الحرب في غزة ولبنان يشكل عبئاً على دافعي الضرائب في أميركا، مما خلق حالة من الامتعاض لدى المجتمع الأميركي بسبب الهدر المالي والأخلاقي، وأردف قائلاً: "هذا السبب تحديداً كان من العوامل التي ساعدت ترامب على التفوق على منافسته في الانتخابات، وبالتالي فإن ترامب يحرص على ألا يبدأ ولايته الثانية بتصادم مع الشارع الأمريكي، وخاصة فئة الشباب، في ظل تعهده بإنهاء النزاعات العالمية".

وأشار البستنجي إلى أن من بين الاعتبارات المهمة أيضاً رغبة ترامب في إنهاء النزاعات لتوجيه الجهود نحو مواجهة التمدد الاقتصادي الصيني، الذي يعتبره الخطر الأكبر على الهيمنة الأميركية، واستطرد موضحاً أن الصين استفادت بشكل ملحوظ من انشغال الولايات المتحدة بحروبها في غزة وأوكرانيا، حيث توسعت في إفريقيا وأمريكا اللاتينية من خلال إبرام صفقات اقتصادية وتجارية مع هذه الدول.

وأكد الدكتور عمر البستنجي أن شخصية ترامب تختلف تماماً عن شخصية الرئيس السابق جو بايدن، موضحاً أن ترامب يتمتع بشخصية نرجسية تجعله أقل ميلاً للانصياع لكافة طلبات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلافاً لبايدن الذي كان يظهر مرونة شديدة تصل إلى حد تغيير قراراته وتصريحاته، مما أحرج السياسيين الأميركيين أحياناً أمام نظرائهم الدوليين.

وأما عن كيفية إنهاء الحرب، فقد أشار البستنجي إلى أن الأمر لن يشبه نهاية الحروب السابقة، بل سيكون عبر صفقة يسعى الجانب الأمريكي فيها لتحقيق أكبر قدر من المكاسب لإسرائيل، وأضاف قائلاً: "غير أن هذه الصفقة ستواجه تحديات من الأطراف الأخرى، حيث ستسعى مصر لضمان حل نهائي وجذري للقضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق المبادرة العربية، فضلاً عن تحمّل المجتمع الدولي لتكاليف إعادة إعمار غزة".

وأكد البستنجي أن الأردن يتبنى الموقف المصري، إذ تتضرر المملكة الأردنية بشكل مباشر من أي تسوية لا تراعي حقوق الشعب الفلسطيني ودول الطوق، وتابع قائلاً: "السعودية تدعم هذا التوجه أيضاً، حيث ترفض مشروع تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة بموجب مبادرة السلام العربية، وهذا الموقف تؤيده الدول العربية الأخرى".

واختتم الدكتور البستنجي حديثه موضحاً أن إيران، بدورها، تعتبر طرفاً رئيسياً في هذه الصفقة وستسعى للحصول على ضمانات تتعلق بملفها النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، وأضاف قائلاً: "يدرك ترامب أن منطقة الشرق الأوسط اليوم تختلف عما كانت عليه في ولايته الأولى، وأن دول المنطقة لن تقبل بتسوية تخدم مصالح إسرائيل وحدها، وعلى الرغم من التعقيدات المحيطة بهذه الصفقة، سيكون ترامب مضطراً لإنهاء الحرب مع مراعاة مصالح جميع الأطراف المعنية، وإلا فإنه قد يواجه الفشل قبل أن يبدأ ممارسته لصلاحياته الدستورية".

رئيس الظل

من جانب آخر، أكد هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الدولية والاستراتيجية بمركز العرب، أن دونالد ترامب يُعتبر "أول رئيس ظل حقيقي في الولايات المتحدة"، مشيرًا إلى أن ترامب، على الرغم من خسارته الانتخابات الأمريكية عام 2020 لصالح جو بايدن، إلا أنه نجح في الحفاظ على وضعه كرئيس ظل، حيث تمكن من فتح قنوات اتصال مع زعماء العالم وصانعي القرار، ما تجلى في زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى أمريكا وخطابه التاريخي في الكونجرس.

وأضاف الجمل أنه كان لترامب دور كبير في الحفاظ على تأثيره السياسي في الساحة العالمية، حيث أبدى استعدادًا للتعامل مع الأزمات الإقليمية مثل الأوضاع في لبنان وغزة، موضحاً أن ترامب يرى أن توفيق الأوضاع مع إيران يمكن أن يسهم بشكل كبير في حلحلة الأزمات في المنطقة، لافتًا إلى محاولات ترامب لتشكيل حلف إسلامي خلال حملته الانتخابية.

وفيما يخص اعتبار ترامب "رجل الصفقات"، قال إن السياسة الأمريكية تجاه تل أبيب لن تتغير مهما كان من يشغل منصب الرئيس، موضحًا أن نتنياهو كان يتوقع استمرار الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل تحت قيادة ترامب، كما حدث في فترة ولايته الأولى، خاصة فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية ودعم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، مضيفاً أن ترامب أظهر خلال حملاته الانتخابية دعمه للتمدد الاستيطاني الإسرائيلي، مما دفع نتنياهو إلى تسمية إحدى المستوطنات باسم "ترامب هايتس".

أما عن علاقة ترامب مع نتنياهو، فقد تابع الجمل أن هذه العلاقة قد تكون معقدة ومتطورة بعد أن هنأ نتنياهو جو بايدن على فوزه في الانتخابات عام 2020، ما دفع ترامب للابتعاد عن دعم الحكومة الإسرائيلية.

وأضاف رئيس وحدة الدراسات الدولية والاستراتيجية بمركز العرب أن ترامب قد يطرح صفقات جديدة مع نتنياهو، لا سيما فيما يتعلق بمنابع الغاز في السواحل الإسرائيلية في ظل أزمة ترسيم الحدود مع لبنان، بالإضافة إلى الصفقات التجارية واتفاقات الدفاع التي أبرمها خلال ولايته الأولى، وأما عن الدعوة الأخيرة لترامب لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد أكد أن مواقف ترامب الأخيرة، بما في ذلك دعوته لإنهاء سريع للحرب، تعكس رغبة في الوصول إلى اتفاق جديد مع إسرائيل يضمن مصلحتها الاستراتيجية في المنطقة.


المزيد من بوابة الأهرام

منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ ساعة
منذ 8 ساعات
منذ ساعتين