لطالما ارتبط الأقباط بالقديسين والشهداء عبر العصور، فيطلبون شفاعتهم، وينذرون لهم النذور، ويوقدون لهم الشموع، ويطلقون أسماءهم على أولادهم.
ومن بين القديسين، يبرز البطل الشهيد «مار جرجس»، وقد استقر فى وجدان الفنان الشعبى عبر الزمان، فتفنن فى رسمه على الخزف، والخشب، والأطباق، والمناديل والميداليات وتماثيل الجبس، وتزينت الحلى الذهبية بصوره.
طعن التنين
بدوره يقول أشرف أيوب معوض باحث في التراث الشعبي لـ"بوابة الأهرام" إن مار جرجس أكثر الرسوم انتشاراً فى الوشم المسيحى بعد الصليب، خاصة صورته الشهيرة وهو يمتطى جواده، ويطعن التنين بالرمح.
بين حورس ومار جرجس وذهب البعض إلى أن صورة «مار جرجس» وهو يطعن التنين مستوحاة من مصر القديمة، عن نحت للإله حورس (إله الحياة) وهو يطعن تمساحاً بحربته، وهذا النحت موجود فى المتحف المصري، وله نسخة أخرى فى أخميم، وثالثة فى مجموعة فيكتوريا وألبرت بمتحف لندن، وظلت صورة حورس فوق حصانه وهو يطعن التمساح فى وجدان المصريين رمزاً لانتصار الخير على الشر، وحين جاءت المسيحية تداخلت صورة الفارس الرومانى «مار جرجس» الذى قاوم الشر دفاعا عن الإيمان فى صورة حورس.
ويضيف أشرف أيوب معوض، أن البعض ذهب إلى أن صورة القديس البطل الذى قاوم الإمبراطور، وجاهد فى سبيل الكنيسة هى التى أوحت للفنان الإيطالى المشهور «روفائيل» لرسم لوحته المشهورة «مار جرجس الروماني»، ونسختها الأصلية محفوظة بمتحف اللوفر فى باريس، ولا تزال تطبع إلى الآن، ويُرمز فيها للتنين بالشيطان، أو الوثنية، أو «دقلديانوس»، والعروس فيها هى الكنيسة.
أما أصحاب الرأى الثالث فيرون أن الصورة تجسيد لأسطورة شعبية تداولها الناس بالقرب من مدينة بيروت عن «تنين» اعتاد قطع مجرى النهر كل عام لمنع تدفق المياه، وخوفًا من المجاعة والعطش يسارع سكان بيروت باختيار فتاة عذراء بالقرعة، ويقدمونها إلى التنين خارج أسوار مدينتهم ليفترسها وينصرف، ويتدفق الماء إلى أن يعود التنين فى العام التالي، وفى أحد الأعوام وقعت القرعة على ابنة وحيدة لسلطان المدينة، فأخذ يبكى هو وزوجته، وتوسل لكبار رجال المدينة أن يتركوا ابنته مقابل نصف مملكته، لكن دموعه وتوسلاته لم تلق صدى لديهم، وفى الموعد ألبسوا الفتاة ثياباً مرصعة بالجواهر، وزفُّوها بالبكاء، وبينما تنتظر الفتاة مصيرها وهى ترتعد، إذا بـ «مار جرجس» يأتيها على حصانه الأبيض، فتخاف هى عليه من التنين وترجوه أن يهرب بسرعة، فيقول لها «أتيتُ لإنقاذك»، ويدور حديث بينه وبين العذراء من جانب، وبينه وبين التنين من جانب آخر كأنه ملحمة شعرية، ثم يطعنه البطل فى عينيه فيسيل دمه على شكل صلبان، وتعود الفتاة سالمة إلى أهلها فيفرح أهل المدينة، وآمنوا بإله «مار جرجس، وبنوا له كنيسة باسمه.
سيرة شعبية ويوضح أشرف أيوب معوض أنه قد كُتبت هذه الأسطورة بصيغ شعرية شعبية فى 622 بيتا، وطُبعت على نفقة مرقس جرجس سنة 1941م. وحتى الآن يُغنيها بعض الشعبيين على الربابة فى موالد القديسين، ومنهم الفنان الشعبى «مكرم المنياوي»، والفنان «وهبة جرس»، ويطلقون عليها «مديحة مار جرجس الروماني»، وهى مسجلة على أشرطة و ( سى دى ).
وأبياتها تصور بطولة «مار جرجس»، ومشاعر الفتاة بنت السلطان وهى تواجه مصيرها، حيث يستهل المغنى أو الراوى القصة بهذه الافتتاحية:
أبدى باسم الله ربى من فكرى وضمير قلبي
وأجيب القول من عندى فى وصف فخر الشجعان
مالى بالدنيا مالى قلبى احبك يا روماني
ويصف حال السلطان وهو ينادى البطل مار جرجس لينقذ ابنته:
أنا محسوبك يا جورجيوس يا صاحب الهمة يا مأنوس
أنا جيت لك مخصوص تنقذ بنتى من الثعبان
أنا أخذتك عونى وسندى انقذها لى يا روماني
انقذ وحيدة محسوبك وحياة يسوع محبوبك
أورينى فيها شجاعتك لا ياكلها الثعبان
ثم يصور بنت بنت السلطان بقوله:
ودمع البنت كان يجرى على خدودها شبه النهر
وتقول يا ويلى يا وعدى من نهش ناب الثعبان
خارج البلد ما تودونى قلبى خايف مـــــ الثعبان
أمانة يا أمى خبينى خارج البلد ما تودينى
لماذا يا أمى ولدتينى يا حسرتى من الثعبان
يا أمى اقتلينى بالحربة انت يا أبى قوى الضربة
أنا نفسى أنظر التربة ولا أنظر وجه الثعبان
ويصف مارجرجس على جواده حين اقترب من الفتاة وخاطبها :
قال البطل شدى حيلك واعلمى جرجس جالك
واطمئنى على حالك أنا جرجس الرومانى
للتنين جاى متعنِّى وإلهى قد أرسلني
وعن الثعبان لا أعفى وأقتله فى الوديان
وتتوتر الربابة والبطل يقول للثعبان :
قال البطل افتح فمك واصغى لقولى وأنا اقول لك
خد دى هدية تكون لك تشبع بها فى الوديان
هز السنان لما شعشع نوره يضوى ويلمع
وجاء الوحش الأروع وطعنه بها فى العين
والطعنة جاءت فى الننى جرجس أتى له متعنِّي
قال له هدية لك منى حافظ عليها يا ثعبان
وسقاه السم بالحربة وطرحه ورماه فى الوديان
وخاطب العروسة التى فرحت جداً لأنه خلصها من الثعبان :
وقال للبنت فين خصمك أنا قتلته قدام عنيكى
هيا إلى أبيك وأمك وافرحى فى الأوطان
وغاب عنها يا سامعين وصعد إلى رب العالمين
نظرت شمالا حقا ويمين ما رأته يا اخواني
خرج الأكابر والعسكر وجدوا العروسة تتمخطر
فوق كتفها بُرنس أخضر أهداه لها الروماني
دخل الوزير يا إخوانى للملك فى القصر الفوقانى
قال له البشارة يا سلطان بنتك خلصها الرومانى
بنتك حية بتتمخطر فوق كتفها بُرنس أخضر
وجمع السلطان أهل البلد ليهدموا الأصنام ويبنوا كنيسة باسم القديس
ويضيف أشرف أيوب، أن البعض يقول أن القصة من وحى خيال الفنان الشعبي، لأن جميع ميامر القديس القديمة تخلوا من هذه القصة، وجميع سنكسارات الكنائس الرسولية تركوها أيضاً، لأنه من غير المعقول وجود تنين بمثل هذا الحجم، وهو حيوان أسطوري.
لكن هناك رأي آخر يؤيد القدرة المُعجزية للقديس، وقدرته على الأعمال الخارقة للطبيعة، لذا نسج الفنان الشعبى أنشودته حول المعجزة، وترك لخياله العنان لنظم هذه القصة الرائعة.
الجدير بالذكر أنه يوجد عدة كنائس باسم القديس مار جرجس، كما يتم الاحتفال بمولد القديس مار جرجس في دير الرزيقات بالأقصر، وهو احتفال يحضره الآلاف من ربوع الجمهورية.
القديس مار جرجس يقتل التنين
احتفالات الأقباط بمولد القديس مار جرجس
احتفالات الأقباط بمولد القديس مار جرجس
احتفالات الأقباط بمولد القديس مار جرجس
احتفالات الأقباط بمولد القديس مار جرجس
احتفالات الأقباط بمولد القديس مار جرجس
احتفالات الأقباط بمولد القديس مار جرجس
احتفالات الأقباط بمولد القديس مار جرجس
الباحث أشرف أيوب معوض
منذ 8 ساعات