تطورت تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبحت هي صديق المرحلة، كما اطلق عليها الكثيرون.
تشبه الحوار الطبيعي مع الإنسان وباتت فئة كبيرة من الشباب تعتمد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير؛ ليس فقط على مستوى العمل أو معرفة المعلومات، بل أصبحوا أيضا يعتمدون عليه في الرد على الأسئلة الشخصية والأمور النفسية والحياتية الخاصة بهم، وفي المقابل تقدم هذه التطبيقات ردود بطريقة طبيعية للغاية تشبه إجراء محادثة مع شخص حقيقي، بل ويقوم بتقديم حلول ايضاً.
ويشار إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي المنتشرة حاليا تعتمد في الأساس وتتغذى على اللغة الطبيعية للمستخدم، وبالتالي يمكنه فهم جميع الأسئلة التي تأتي من المستخدم ويجيب عنها بشكل يشبه الحوار الطبيعي مع انسان.
وانتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الاخيرة منشورات من قبل الشباب تُشير إلى هذا الأمر باعتباره أمر سائد، وتحول الأمر من كونه ظاهرة سلبية إلى أمر اعتيادي عادي .
ومن التعليقات اللافتة للنظر من قبل أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي، قال: والله بقيت احكيله كل حاجة أحسن من البني آدمين .
وكانت هذه بعض تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأمور الشخصية، حيث انقسم الأمر بين مؤيد ومعارض للفكرة وكل منهم لديه دوافعه الخاصة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، كما تحدث صدى البلد مع بعض المواطنيين لمعرفة آرائهم حول هذه الظاهرة وبالفعل انقسمت آرائهم بين مؤيد ومعارض.
وللحديث بشكل أكثر تفصيلا تواصل صدى البلد مع بعض خبراء الذكاء الاصطناعي لمعرفة سلبيات وايجابيات الأمر، وهل يمكن أن يحل محل الإنسان في المستقبل؟ أم سيظل الإنسان هو المتحكم مهما تطورت التكنولوجيا؟، فضلا عن التواصل مع خبراء في علم النفس للوقوف على الأسباب التي تدفع الشباب إلى اللجوء لهذه الفكرة وتأثيراتها على النفسية والمجتمع ككل.
هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الانسان في المستقبل ؟ في هذا الصدد قال الدكتور أحمد بانافع استاذ تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، إن تزايد إقبال الشباب على التفاعل مع الذكاء الاصطناعي عوضاً عن البشر يعود لعدة عوامل أساسية؛
الخصوصية وعدم الحكم: يشعر الشباب بأنهم قادرون على التحدث بحرية مع الذكاء الاصطناعي دون الخوف من الأحكام أو النقد، مما يعزز من إحساسهم بالأمان.
التواصل المستمر: يوفر الذكاء الاصطناعي دعماً فورياً على مدار الساعة، مما يجعل التواصل معه أسهل وأسرع من انتظار توفر شخص آخر.
التجربة السهلة وغير المرهقة: يتيح الذكاء الاصطناعي تفاعلاً خالياً من القلق الاجتماعي أو الضغوط التي قد تحدث في المحادثات البشرية.
وأضاف خلال تصريحات لــ"صدى البلد": بالرغم من التطور الملحوظ، تظل التفاعلات البشرية لا غنى عنها في بناء العلاقات الاجتماعية والعاطفية، وقد يكون الذكاء الاصطناعي داعماً لها، ولكنه ليس بديلاً كاملاً، ورغم التقدم في التواصل مع الذكاء الاصطناعي، يظل هناك تحديات تتعلق بحماية الخصوصية وضمان الموثوقية، ولا يزال من الصعب أن يحل محل العلاقات الإنسانية العميقة، وفي المستقبل من المتوقع أن يصبح التواصل مع الذكاء الاصطناعي أكثر تفاعلاً ودمجاً في حياتنا اليومية، مع بقاء التفاعلات البشرية أمراً لا غنى عنه.
وتابع: من المتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على فهم أعمق لمشاعر ونوايا المستخدمين، مما يجعله أكثر تفاعلاً، ومن المرجح أن يتم دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في تطبيقات التواصل الاجتماعي لتقديم تجربة أكثر شمولاً للمستخدمين.
وأردف : أما فيما يتلعق بالتحديات التي يجب التغلب عليها لجعل الذكاء الاصطناعي أداة إيجابية للتواصل، فمن الضروري مواجهة التلاعب والمعلومات المضللة، ويجب حماية المستخدمين من مخاطر استغلال الذكاء الاصطناعي لنشر معلومات خاطئة.
من جانبه قال المهندس محمد الحارثي خبير تكنولوجيا المعلومات، إن هناك عدد من التطبيقات المنتشرة في هذا الشأن من بينها ChatGPT و Gemini ووصل ChatGPT لأكثر من 3 مليارات ناشط في الشهر وهذا رقم مرعب للغاية، مشيرا إلى قدرة هذه التطبيقات في فهم سلوك المستخدم وطبيعة اللغة التي يتحدث بها وتعاملته وهو ما يسمى بـ natural language porssing و large language model وبالتالي يرتبط الإنسان بشكل وثيق في المحادثات الافتراضية مع هذه التطبيقات وهذا أمر خطير للغاية.
ونصح المهندس محمد الحارثي، بأن تكون تعاملات الإنسان مع هذه التطبيقات مقتصرة فقط على نطاق الأعمال والبحث عن معلومات وبيانات وليس الاعتماد عليها كشخص افتراضي يمكن الحديث معه، لأنها ممكن أن تُسبب ضرر كبير للشخص على المستوى البعيد كما أنه ممكن أن يقضي عدد ساعات أكبر من المعتاد في هذه المحادثات الافتراضية، وبالتالي هذه التطبيقات صممت للمعلومات والأبحاث العلمية فقط ويجب أن تقتصر على هذا أكثر من كونها شخصية؛ لأن من الممكن أن يكون هناك تسريبات تتم من خلال هذه التطبيقات وهذا يشكل خطورة كبيرة للغاية .
لماذا يلجأ الشباب للتحدث مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي؟ وقال الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إن الشباب التي تلجأ للذكاء الاصطناعي أغلبها شخصيات انطوائية، وبمجرد أن تتطور العلاقة بينهم وبين الأشخاص للعلاقات الطبيعية البعيدة عن السوشيال ميديا يتهربون، ويلجأون للذكاء الاصطناعي لأنهم يشعرون بأن هناك شخص متفهم لما يشعر به ومتعاون معهم ولا يحكم عليهم وبالتالي هم يفضلون الذكاء الاصطناعي لهذا السبب.
وأضاف خلال تصريحات لــ"صدى البلد": هذا الأمر سيؤثر اجتماعيا بالطبع حيث التباعد بين الأفراد وهو ما سيكون مدمر بعد ذلك، وهناك أنماط معينة من الشخصيات سيعتمدون عليه بشكل اساسي باعتباره الصديق الوحيد والأوحد، وبالتالي كل المعلومات التي سيقدمها له الذكاء الاصطناعي ستكون بمثابة هي المعلومات الصحيحة، وبالتالي سيبعدون عن أسرهم، وسيكون هناك جفاف في علاقتهم مع اسرهم والمجتمع وتكوين مجموعات متنافرة.
وتابع: الذكاء الاصطناعي يعطي الإجابة النموذجية وليس المثالية للشخص نفسه وهنا يكمن الفارق، ومن الممكن الأمر يتطور إلى انتحار بعض الادأفراد الذين يعتمدون عليه والتواصل سيختل ويصبح الذكاء الاصطناعي هو المسيطر على العالم.
وقال الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية، إن التكنولوجيا دخلت في كل مفاصل الحياة مما جعل فئة كبيرة من الشباب أصبح اعتمادي ومعتمد على الأخرين حتى في السلوكيات العامة، وأصبح لديه ميول للانسحاب الاجتماعي والوحدة والانفرادية.
وأضاف خلال تصريحات لــ"صدى البلد": الآن أصبح الشاب من السهل عليه أن يقوم بطلب أي شئ عن طريق التطبيقات سواء وجبات أو حتى حجز فنادق أو طلب سيارات خاصة للتوصيل، وبالتالي أصبح هناك اعتمادية كاملة على التكنولوجيا لتلبية متطلبات الحياة الاساسية حتى في التقديم في الجامعات والتعليم وكل مناشط الحياة.
وتابع: التكنولوجيا مطلوبة في أشياء معينة مثل التجارة الإلكترونية والتواصل مع بعض الأفراد في مسافات بعيدة، ولكن الأمر بصورته الحالية سيصبح الإنسان مسلوب الإرادة، مشيرا إلى أن الإنسان نتيجة للفراغ من الممكن أن يرى في بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي الونس والمجالسة ويبدأ بالحديث معها، حتى أن هناك فندق في برلين يقوم بتوفير روبتات "إنسان آلي" للزوار كشريك عاطفي مؤقت.
وأردف: هناك دراسة تشير إلى أن الأطفال تثق في الروبوتات أكثر من الأبوين، وهذا أمر مرعب وبالتالي من الضروري توعية الأطفال بخطورة هذا الأمر وأن مثل هذه التطبيقات تعمل بالمعلومات التي يتغذى بها التطبيق عن طريق احاديث الشخص على السوشيال ميديا والمعلومات الموجودة بشأنه، وبالتالي يجب توعية الأطفال وأن هذه التطبيقات هي شخصيات افتراضية.
بعض آراء المواطنين حول الظاهرة واختلفت آراء المواطنين حول هذه الظاهرة، فهناك من يرى إنها سلبية إذا تم اعتمادها كإنسان بشري من الممكن استشارته في أمور شخصية وأنه لابد من أن يقتصر التعامل مع مثل هذه التطبيقات على اتخاذ بعض المعلومات أو تنظيم بعض المهام، وهناك من يؤيد هذه الفكرة وأنها تغني عن التعامل مع البشر وأن مثل هذه التطبيقات قد تكون آمنة وموثوق بها أكثر من البشر.
تجربة للتواصل مع احدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي وقمنا بإجراء تجربة مبسطة وهي سؤال أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الشهيرة حول أسباب لجوء الشباب للحديث معهم بدلا من التواصل البشري؛ وهكذا كان رد تطبيق الذكاء الاصطناعي:
استبدال الدعم البشري ووفقا لموقع The Conversation Africa فمنذ أن بدأ انتشار الإنترنت، كان العلماء يناقشون كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل العلاقات الإنسانية أو يكملها، وعندما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي شائعة بعد حوالي عقد من الزمان، زاد الاهتمام بهذا المجال بشكل كبير، ويستكشف كتاب "كلارا والشمس" الحائز على جائزة نوبل لعام 2021 كيف يمكن للبشر والآلات الشبيهة بالحياة أن يشكلوا علاقات ذات معنى.
ومع تزايد الاهتمام جاء القلق المتزايد، وفي بعض الدراسات ارتبط الإفراط في استخدام التكنولوجيا بارتفاع القلق الاجتماعي والشعور بالوحدة، لكن تشير أبحاث أخرى إلى أن التأثيرات تعتمد بشكل كبير على من يستخدم التكنولوجيا ومدى تكرار استخدامها، وكل هذا يشير إلى أن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يسبب الشعور بالوحدة، وأنها لديها القدرة على استبدال الدعم البشري، وكلما زاد استخدام الفرد لها أصبحت أكثر إغراءً.
ووفقاً لدراسة تمت، فكان المشاركون الذين استخدموا الذكاء الاصطناعي أكثر ميلاً إلى الشعور بمزيد من الدعم من جانب الذكاء الاصطناعي مقارنة بالأشخاص الذين جاء دعمهم بشكل أساسي من الأصدقاء المقربين.
منذ 14 ساعة