منذ 19 ساعة
العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية: تأرجُّح في تقييم الصورة.. عداء مُعلَن أم مصالح خفية؟

كشفت مصادر إيرانية مطلعة اليوم الأربعاء عن قرار طهران تأجيل الرد الموعود على إسرائيل عقب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وتحديدًا فيما يتعلق بتنفيذ عملية "الوعد الصادق 3".

ويأتي هذا القرار على الرغم من تعهدات علي خامنئي، المرشد الإيراني، باتخاذ موقف حازم ضد كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب سياساتهما تجاه إيران وحلفائها الإقليميين.

ماذا يحدث؟! في سجلات التاريخ بدأت العلاقة بين إيران وإسرائيل بصفحة جديدة عقب قيام دولة إسرائيل عام 1948؛ إذ كانت إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي من أولى الدول ذات الأغلبية المسلمة التي اعترفت بإسرائيل، وبدأت علاقات دبلوماسية معها.

كانت هذه العلاقات تتميز بالتعاون الاقتصادي والعسكري. ووفقًا لـ"نيويورك تايمز" في تقرير لها، اعتمدت إسرائيل على إيران كمصدر للنفط، فيما استفادت إيران من تكنولوجيا إسرائيل في بعض المجالات العسكرية.. إلا أن هذا التحالف لم يستمر؛ ففي عام 1979 أطاحت الثورة الإسلامية بنظام الشاه، وأعلنت الجمهورية الإسلامية موقفًا عدائيًّا صريحًا تجاه إسرائيل، ووصفتها بـ"الكيان الصهيوني الغاصب".

ولكن التحولات في السياسة الإيرانية تجاه إسرائيل شهدت تحولا ًجذريًّا تجاه إسرائيل. تقول "ذا غارديان" في تقرير لها إن إيران بدأت تدعم علنًا حركات المقاومة في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين.

وقد أسهم هذا الموقف في زيادة حدة التوترات بين البلدين؛ إذ تعتبر إسرائيل أن دعم إيران لتلك الجماعات يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة مع قدرات حزب الله العسكرية المتزايدة والمدعومة من طهران.

ومنذ ذلك الحين لم تتوقف التصريحات العدائية المتبادلة، وأصبح الصراع جزءًا من الديناميات الإقليمية في الشرق الأوسط.

الهجمات الإلكترونية: ساحة قتال خفية وعلى مدى العقد الماضي باتت الحرب الإلكترونية تشكل جزءًا لا يتجزأ من الصراع الإيراني-الإسرائيلي؛ إذ تبادل الطرفان شن هجمات سيبرانية مستهدِفة بنى تحتية حيوية.

ومن ذلك في عام 2020 أشارت تقارير إلى تورط إسرائيل في هجمات استهدفت منشآت المياه الإيرانية، بينما ردت إيران بهجمات إلكترونية، طالت بنوكًا وشبكات نقل إسرائيلية.

ووفقًا لتقرير، نشرته نيويورك تايمز، فإن "الحرب الإلكترونية" بين إيران وإسرائيل تتصاعد تدريجيًّا؛ إذ يتطلع كل طرف لإضعاف الآخر دون اللجوء لمواجهات مباشرة.

وحول ذلك تُعلِّق "واشنطن بوست" في تقرير لها في 2022م: هذه الهجمات الإلكترونية تعد بمنزلة استعراض للقوة، ومحاولة لإبقاء الخصم في حالة تأهب مستمر؛ إذ يمكن للحرب الإلكترونية أن تكون ذات تأثير مدمر على البنى التحتية والمدنية.

وتعكس تلك الهجمات عدم استقرار الأوضاع بين البلدين، واحتمال تحول هذه "الحرب من الظل" إلى مواجهات عسكرية علنية في حال فشل محاولات احتواء التوتر.

عمليات الاغتيال وحرب خفية لتقويض قوة الخصم إلى جانب الحرب الإلكترونية، تُعدُّ الاغتيالات جزءًا آخر من الحرب الخفية التي تدور بين إيران وإسرائيل؛ إذ اتهمت إيران إسرائيل باغتيال علماء نوويين بارزين، مثل محسن فخري زاده الذي لقي حتفه في هجوم معقد أواخر عام 2020.

ووفقًا لتقرير، نشرته سي إن إن، يأتي هذا الاغتيال ضمن استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد، تهدف إلى تعطيل برنامج إيران النووي، وإيقاف أي تقدم قد يُمكِّنها من تطوير سلاح نووي.

وتؤكد "ذا غارديان" أن إسرائيل سعت وتسعى من خلال هذه الضربات إلى منع تموضع إيران عسكريًّا بالقرب من حدودها، وذلك بتدمير أنظمة الدفاع والأسلحة التي تعزز من وجود إيران في سوريا.

تحليلات الصحافة الغربية: هل العداء الظاهر حقيقي أم يُخفي تحالفات غير معلنة؟

وخلال سنوات تنوعت آراء الصحافة الغربية حول طبيعة العداء الإيراني-الإسرائيلي؛ ففي حين يشدد بعض المحللين على أن الصراع بين إيران وإسرائيل حقيقي، ومؤثر بشكل كبير على استقرار المنطقة، تبرز آراء أخرى تشير إلى احتمال وجود مصالح خفية تخدم الطرفين بالرغم من التصريحات العدائية.

فقد ذكرت فورين بوليسي في تقرير لها عام 2024 أن هذا العداء قد يكون وسيلة لتعبئة الجماهير، وفرض السيطرة الداخلية، مشيرة إلى أن الطرفين ربما يستفيدان من بقاء العداء قائمًا كأداة لتعزيز سلطتهما السياسية، وتوجيه الرأي العام داخليًّا.

وقد قدمت "ذا ناشيونال" تحليلاً مماثلاً؛ إذ أشارت إلى أن بعض وسائل الإعلام الغربية تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هناك قنوات تواصل غير مباشرة بين إيران وإسرائيل، تتيح للطرفين الحفاظ على مستوى مُعيَّن من التصعيد دون الوصول إلى حرب شاملة.

ويرى بعض المحللين أن الصراع يتيح لكل من طهران وتل أبيب إمكانية فرض أجنداتهما الإقليمية بمواجهة خصم مشترك، يُعتبر "العدو الأكبر".

السياسة الأمريكية: تقلبات البيت الأبيض وتأثيرها على العلاقة بين إيران وإسرائيل من البديهي أن السياسة الأمريكية تلعب دورًا جوهريًّا في توجيه العلاقات بين إيران وإسرائيل؛ إذ تمثل الولايات المتحدة حليفًا رئيسيًّا لإسرائيل، وتؤثر قراراتها بشكل كبير على مستوى التصعيد أو التهدئة في المنطقة.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 زادت التوترات بين إيران وإسرائيل، وتزايدت الهجمات التي تنفذها إسرائيل في سوريا وأماكن أخرى لمنع التوسع الإيراني.

ووفقًا لتحليلات واشنطن بوست، فإن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة يعزز موقف إسرائيل ضد إيران؛ إذ يُتوقع أن تقدم الإدارة الأمريكية الجديدة دعمًا أكبر في حال اندلاع أية مواجهات.

وفي حال قررت الإدارة الأمريكية العودة إلى الاتفاق النووي، أو التفاوض على اتفاق جديد، فقد يؤدي ذلك إلى تخفيف التوترات بشكل كبير.

وقد نشرت "فورين بوليسي" تقريرًا يشير إلى أن إيران قد تكون مستعدة لاعتماد سياسة تهدئة تجاه إسرائيل إذا نجحت في استعادة مكتسبات اقتصادية، تُمكِّنها من دعم اقتصادها الداخلي المتدهور.

هل العداء مجرد مسرحية لتعزيز الهيمنة الإقليمية؟ يرى بعض المحللين أن العداء بين إيران وإسرائيل قد يكون جزئيًّا وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية محلية وإقليمية.

فقد ذكرت "واشنطن بوست" أن العداء الظاهري يخدم بعض الأجندات السياسية الداخلية؛ إذ يتيح لكل من النظام الإيراني والحكومة الإسرائيلية تقديم صورة العدو الخارجي كشكل من أشكال الوحدة الوطنية.

وتدعم هذه النظرة تقارير أخرى، تشير إلى أن "التهديد المشترك" يوفر لكل طرف وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية، وتعزيز هيمنته الإقليمية من خلال تبرير تدخلاته العسكرية في الدول المجاورة، مثل سوريا.

التطبيع الإقليمي وإعادة ترتيب المصالح: تغير موازين القوى وتأثيرها على الصراع في ظل موجة التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، تتزايد الضغوط على إيران؛ ما قد يدفعها إلى تعزيز تحالفاتها مع دول أخرى، مثل روسيا والصين.

هذا التحول قد يدفع إيران إلى تغيير استراتيجيتها تجاه إسرائيل، أو على الأقل إعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة.

ومن الواضح -بحسب خبراء- أن تطبيع بعض الدول الخليجية والعربية مع إسرائيل قد يضع إيران في موقف دفاعي، ويفرض عليها البحث عن وسائل جديدة لتحقيق التوازن الإقليمي.

وقد يترجَم هذا التحول في نهاية المطاف إلى إضعاف نفوذ إيران في الشرق الأوسط، خاصة إذا استمرت الدول الكبرى في دعم التحالف الجديد بشكل قوي.

التوقعات المستقبلية للعلاقة الإيرانية-الإسرائيلية: هل نرى تصعيدًا أكبر أم بداية للتهدئة؟ التصعيد المتوقع: في حال استمرت إيران في تعزيز وجودها العسكري قرب الحدود الإسرائيلية، وتطوير برنامجها النووي، قد نشهد تصاعدًا في العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة مع تصاعد الدعم الأمريكي لها؛ وهو ما قد يدفع إيران للرد بأساليب غير تقليدية، مثل الهجمات السيبرانية والمناورات العسكرية غير المباشرة.

وتقول "ذا غارديان" في تقرير لها في 2023م إنه إذا سعت الدول الإقليمية الكبرى للتوصل إلى اتفاقات، من شأنها تقليص الوجود العسكري الإيراني في سوريا مقابل امتيازات اقتصادية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تخفيف التوترات بشكل كبير.

ويُتوقَّع أن تؤدي مثل هذه الاتفاقات إلى إرساء نوع من الاستقرار النسبي، ولو بشكل مؤقت.

وبالمقابل، من المتوقع أن تعمل إيران على تعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية، خاصة مع روسيا والصين؛ لتقليل أثر العزلة الناتجة من تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل.

وبالمقابل، قد تعمل إسرائيل على الاستفادة من شبكة تحالفاتها المتزايدة؛ لضمان دعم دولي أوسع ضد أي تحركات إيرانية تهدد أمنها القومي.

لا شيء مستبعد ويمكن في مقاربة أو محاولة مقاربة لتوقعات مستقبلية القول إن العلاقة بين إيران وإسرائيل ليست علاقة عداء عابرة، بل تخضع لمعادلات إقليمية ودولية معقدة.

ومع التغيرات السياسية في الولايات المتحدة، وتوسع التحالفات الإقليمية لإسرائيل، يبقى مستقبل العلاقة بين إيران وإسرائيل مفتوحًا على سيناريوهات عدة، تتراوح بين التصعيد الكبير وصولاً إلى تهدئة مؤقتة.

وهذا أيضًا لا ينفي احتمالية أن تكون على الطاولة علاقات تحكمها المصالح المتبادلة.

يبدو أنه لا شيء مستبعد في السياسة؛ هذا أمر ترجحه الهجمات المتبادلة، التي تبدو -وفقًا للبعض- "متفقًا عليها".


المزيد من صحيفة سبق

منذ 11 ساعة
منذ 8 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 9 ساعات