منذ يوم
نالها ترامب بسهولة في المرة الأولى

لا أعرف لماذا يقول الناس: إن الرئيس المنتخب دونالد ترامب سوف يواجه صعوبات في السياسية الخارجية.

إن كل ما يحتاج إليه هو أن يحمل فلاديمير بوتين على التنازل في ما يتعلق بحدود روسيا الغربية، وأن يحمل فلوديمير زيلينسكي على التنازل في ما يتعلق بحدود أوكرانيا الشرقية، وأن يحمل بنيامين نتنياهو على تعيين حدود إسرائيل الغربية والجنوبية، وأن يحمل مرشد إيران الأعلى علي خامنئي على تعيين حدود بلده الغربية بمعنى أن يكف عن محاولة السيطرة على لبنان وسوريا والعراق واليمن، وأن يحمل الصين على تعيين حدودها الشرقية دون تايوان، وأن يحمل الحوثيين في اليمن على قصر حدودهم البحرية على أميال قليلة من الساحل دونما حق في إيقاف الشحن في البحر الأحمر.

بعبارة أخرى: لو أنكم تتصورون أن الحدود الوحيدة التي سوف تشغل ترامب عند توليه السلطة في العشرين من يناير هي حدود أمريكا الجنوبية، فثمة ما أنتم عنه غافلون.

عندما ترك ترامب السلطة في عام 2020 قبل الحرب الروسية-الأوكرانية والحرب بين إسرائيل وحماس وحزب الله، كان يمكن أن يذهب المرء إلى أننا لا نزال في عصر (ما بعد الحرب الباردة) التي سيطر عليها تنامي التكامل الاقتصادي وسلام القوى العظمى. كانت روسيا قد قضمت قضمة من أوكرانيا لكنها لم تحاول قط أن تلتهمها كلها. وإيران وإسرائيل كانتا متعاديتين، لكن لم تكن إحداهما قد هاجمت الأخرى رأسا قط.

احتلت إسرائيل الضفة الغربية، لكن لم تكن لها قط حكومة تتضمن اتفاقية ائتلافها الرسمي الضم الفعلي للضفة الغربية كاملة وينتمي إليها الآن أعضاء يناصرون مثل ذلك بالنسبة لغزة. وأمريكا لم تكن تكترث بالحوثيين في اليمن، لكننا لم نشهد قط قاذفات «بي تو» تسقط بعضا من أضخم حمولات ترسانتنا عليهم.

باختصار، تم اجتياز كثير من الخطوط الحمراء منذ أن كان ترامب يشغل البيت الأبيض الكبير. واستعادة هذه الخطوط الحمراء، و(استعادة عظمة أمريكا من جديد) سوف يقتضيان يقينا الاستعمال الدقيق والذكي للقوة والدبلوماسية القوية بما يتجاوز ما تصوره ترامب الانعزالي في ولايته الأولى أو اقترحه في حملتيه.

في إسرائيل، التي أوجد فيها في الوقت الراهن، رأيت أن أحد أكثر الأعضاء اليمينيين تطرفا في حكومة إسرائيل المتطرفة وهو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لم يضيع أي وقت، إذ أعلن يوم الاثنين أن رئاسة ترامب الجديدة تهيئ «فرصة مهمة» لـ«فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات يهودا والسامرة» مستعملًا الاسم التوراتي للضفة الغربية. وأضاف إن «عام 2025 سوف يكون بعون الله هو عام السيادة» في هذه المناطق المحتلة.

لكن ترامب قد يكون رهانًا أكثر خطورة على إسرائيل مما يتوقع سموتريتش. فهو أول رئيس أمريكي سعى إلى أصوات الأمريكيين العرب والمسلمين الناقمين على دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل في غزة واستفاد منها. كما أنه يأتي إلى السلطة بتفويض لا يقل قوة وانعزالية عن أي رئيس آخر منذ نهاية الحرب الباردة. وفوق ذلك كله، حينما كان ترامب رئيسا من قبل، وضع خطة سلام قائمة على حل الدولتين في إسرائيل، والضفة الغربية وغزة، ولو أنها خطة شديدة المحاباة لإسرائيل.

لقد حضرت عشاء في حيفا يوم الثلاثاء مع يهود وعرب إسرائيليين سويا. قال لي الضيوف إن كثيرا من الإسرائيليين اليهود يعتقدون أنه لكون أحد أصهار ترامب يهوديًا فإنه مستعد لأن يقسو على الفلسطينيين، بينما يعتقد كثير من العرب الإسرائيليين أن ترامب سوف ينفعهم لأنه الوحيد الذي لديه من الصلابة ما يجعله يواجه نتنياهو ولأن صهره الآخر له أب أمريكي لبناني. وأحد الفريقين سوف يخيب رجاؤه.

أما عن دبلوماسية ترامب في أوكرانيا، فإن حمل بوتين على الموافقة على اتفاقية ما لوقف إطلاق النار أو السلام لاستعادة الحدود الروسية مع أوكرانيا قد يكون أكبر التحديات إطلاقًا حسبما قال لي ليون هارون الخبير الروسي من معهد أمريكان إنتربرايز، وذلك لأن «ترامب يريد السلام في أوكرانيا بينما يريد بوتين النصر».

وأضاف هارون قائلا: إن بوتين لا يستطيع أن يحتمل الرجوع إلى الشعب الروسي بعد مصرع وإصابة ستمائة ألف منهم ليقول «آسف، لن نسيطر على أوكرانيا بعد هذا كله». لا يمكن أن يسمح بوتين بأن تنتهي هذه الحرب بهزيمة. لكن ترامب لا يستطيع القبول بسلام يشبه الهزيمة للغرب، فيبدو حينئذ بمظهر الخاسر.

لو أن هناك فرصة لصفقة مقبولة من الطرفين بشأن أوكرانيا - أي وقفًا طويل الأجل لإطلاق النار وفقًا لخطوط القتال الراهنة في مقابل رفع بعض العقوبات عن روسيا وتسريع عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي بجانب ضمانات أمنية لا ترقى إلى عضوية الناتو - فالأرجح أن يحدث هذا فقط في حالة تلقي بوتين مزيدا من الهزائم هناك وإيضاح ترامب أنه سوف يسلح أوكرانيا بمزيد من التكثيف في حال عدم تراجع بوتين.

يتبين من اضطرار بوتين إلى استئجاره فعليًا مائة ألف من قوات كوريا الشمالية للمساعدة في خوض حربه الطائشة في أوكرانيا أمران: مدى خوفه من التوقف دونما نصر مشهود «ومدى خوفه من رد الفعل المجتمعي في حال اضطراره إلى إرسال المزيد من المجندين البالغين ثمانية عشر عاما من العمر من أبناء العرق الروسي إلى الخنادق، وخاصة من موسكو وسان بطرسبرج حيث تعيش النخبة الروسية» حسبما قال هارون مؤلف كتاب «امتطاء النمر: فلاديمير بوتين واستعمالات الحرب».

خلص هارون إلى أن «بوتين ليس في وضع من يقدر على خوض حرب أبدية، إذ أنه يفتقر إلى الناس». والغاية من قول هذه كله أنه في حال قدرة ترامب على دعم استمرار أوكرانيا في وضعها القتالي الراهن لاثني عشر شهرًا أخرى، فقد يحصل على صفقة لإنهاء حرب أوكرانيا في عام مثلما وعد في حملته بأن يفعل في غضون يوم.

بوسع إدارة ترامب أن تتسبب في تجاوز مجموعة جديدة ومختلفة للغاية من الخطوط الحمراء في حال انسحابها من الناتو أو إعرابها عن أي تراجع في العزم على حماية الحلفاء القدامى.

إن لدى اليابان وبولندا وكوريا الجنوبية وتايوان جيرانا نووين معادين وتكنولوجيا وموارد تكفي لتصنيع أسلحة نووية لأنفسها. «وهي لم تفعل ذلك لاعتقادها إنها ليست بحاجة إليه، وذلك لاعتقادها بأن الولايات المتحدة في ظهرها، حتى إن تحقق كابوس الحرب النووية» حسبما قال جوتام موكوندا الخبير الاستراتيجي البارز والمحاضر في جامعة ييل الذي أضاف قوله «فكروا في هذا الأمر لوهلة: هذه الدول كان لديها إيمان تام بالولايات المتحدة حليفةً لها منذ عقود، فهي حرفيا راهنت بأنفسها على كلمة من أمريكا. وفي ضوء ما قاله ترامب عن التحالفات، هل يمكن لرئيس دولة مسؤول أن يظل ثابتا على هذا الرهان؟»

لقد رأت هذه الدول ما جرى لأوكرانيا حينما ردت الأسلحة النووية المخزنة فيها إلى روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وفي حال فقدان هذه البلاد الإيمان بالوعد الأمريكي -أو في حالة الحنث بذلك الوعد- وتصنيعها أسلحة نووية، سيكون ذلك هو النهاية لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي تحد انتشار الأسلحة النووية منذ الحرب العالمية الثانية. وسيكون ذلك هو المحو لأم الخطوط الحمراء جميعا.

وبالتناغم مع هذا، فإن اثنين من كبار خيارات ترامب المحتملة في السياسة الخارجية، وهما السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية والنائب مايكل والتز لمنصب مستشار الأمن القومي السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية والنائب مايكل والتز لمنصب مستشار الأمن القومي من الذين يجاهرون بالتشدد على الصين ومن المرجح أن يسعيا لتضخيم خطط ترامب المتعلقة بمضاعفة التعريفات التجارية على بكين، وهذا أيضا مما يلعب دورا رائعا في الحملة الانتخابية. لكن الصين لم تقبل مثل هذا من ترامب من قبل، ولن تقبله مجددا. لذلك أوصي بشدة أن يقرأ الرجلان ما نشرته وول ستريت جورنال في التاسع والعشرين من يوليو الماضي عن عملاق الاتصالات الصيني هواوي، ويبدأ على النحو التالي:

«قبل خمس سنوات، فرضت واشنطن عقوبات على هواوي، مانعة حصول الشركة الصينية على التقنيات الأمريكية المتقدمة لخوفها من قيام العملاق الصيني بالتجسس على الأمريكيين وحلفائهم». وتمضي المقالة فتقول: إن «ذلك كان صعبا في أول الأمر على هواوي، ولكنها الآن ترجع وهي تزأر. فبمليارات الدولارات من دعم الدولة، توسعت هواوي في نشاطين جديدين، معززة أرباحها ومكتشفة طرقا جديدة لتقليل اعتمادها على الموردين الأمريكيين. احتفظت الشركة بمكانتها الريادية في سوق معدات الاتصالات العالمي». وتضيف المقالة: إن هواوي الآن «تقوم بعودة ضخمة في قطاع الهواتف الذكية، مستعملة رقائق متطورة قامت بتصنيعها داخليًا لتستقطب بعض المستهلكين من شركة آبل».وهكذا هو العالم، يزداد تعقيدا عما يبدو عليه في الحملات الانتخابية، ويصدق هذا عليه اليوم أكثر منه في أي وقت مضى. أو كما قال الملاكم مايك تايسون يوما: «إن كل امرئ تكون لديه خطة إلى أن يتلقى لكمة في وجهه».

توماس فريدمان من كتاب الرأي في الشؤون الخارجية


المزيد من جريدة عمان

منذ ساعة
منذ 9 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 7 ساعات