بقلم الدكتور محمد الهواوشة :
في مشهد حافل بالتحولات والتحديات، انعقدت القمة العربية الإسلامية في الرياض بتاريخ 11 نوفمبر 2024، بحضور عدد من القادة العرب والمسلمين، حيث جاءت كفرصة لتعزيز التعاون ووحدة الصف في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية المتنامية. وقد برز دور الملك عبد الله الثاني كصوت يعبر عن التطلعات العربية والإسلامية، مؤكدًا على أهمية استقرار المنطقة، ومشدّداً على مركزية القضايا المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ودعم صمود الشعب في غزة.
دور الملك عبد الله الثاني: صوت الحكمة والتعاون
لعب الملك عبد الله الثاني دورًا أساسياً في هذه القمة، مستعرضاً وجهة نظر الأردن حول قضايا المنطقة، حيث أكد على عدة محاور أساسية:
دعم القضية الفلسطينية: شدد الملك عبد الله على ضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كما أكد على أهمية حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مذكرًا بدور الأردن كوصي على هذه المقدسات.
دعم غزة وصمودها: أكد الملك عبد الله على أهمية دعم الشعب الفلسطيني في غزة، مشدداَ على أن الصمود في القطاع المحاصر بحاجة إلى دعم إنساني واقتصادي عاجل من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى الضغط الدولي لوقف الهجمات ورفع الحصار.
تعزيز العمل العربي والإسلامي المشترك: دعا الملك إلى تقوية التعاون لمواجهة التحديات المشتركة، خصوصًا تلك المرتبطة بالأزمات الاقتصادية والأمنية. وأشار إلى أن تبني استراتيجيات تنموية مشتركة سيخفف من التبعية الخارجية ويعزز الاستقرار الإقليمي.
التنمية الشاملة: سلط الضوء على أهمية تفعيل دور الشباب في التنمية والسياسة، ودعا لتبني سياسات تركز على التعليم والتكنولوجيا، باعتبارهما عاملين رئيسيين في تعزيز القدرات المحلية وتمكين الأجيال القادمة.
قرارات القمة: خطوات نحو مستقبل أكثر استقرارًا وتكاملًا
خرجت القمة بقرارات تعكس تلاحم الدول العربية والإسلامية وإدراكها لأهمية التعاون لمواجهة التحديات المتعددة، وكان أبرز هذه القرارات:
1. دعم فلسطين وتوحيد الموقف العربي والإسلامي: أكدت القمة التزام الدول المشاركة بدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، بالإضافة إلى تقديم الدعم الاقتصادي والإنساني لفلسطين، بما في ذلك دعم غزة لتعزيز صمودها أمام الحصار المتواصل.
2. تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون العسكري: تم الاتفاق على تشكيل لجنة دائمة للتعاون الأمني والعسكري بين الدول العربية والإسلامية، تهدف إلى مكافحةt8 الإرهاب وتبادل المعلومات الأمنية في ظل تزايد التهديدات في المنطقة.
3. إطلاق مبادرات اقتصادية مشتركة: شهدت القمة تبني مبادرات اقتصادية تركز على الأمن الغذائي والطاقة، وإنشاء صندوق لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يعزز النمو الاقتصادي ويقلل من التبعية.
4. التزام الحياد في الصراعات الدولية: أكدت الدول المشاركة على ضرورة الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى العالمية، وامتنعت عن الانحياز لأي طرف في النزاعات الكبرى مثل الصراع الروسي الأوكراني، حفاظًا على استقلالية قرارها السياسي.
5. تعزيز الهوية الثقافية والدينية: تم الاتفاق على إطلاق مبادرات لتعزيز الهوية الثقافية الإسلامية والعربية، ودعم استخدام اللغة العربية، وتقوية الروابط الثقافية والدينية.
القمة وموقفها من لبنان: دعم الأمن والاستقرار وسط الأزمات
كان لبنان حاضرًا بقوة في نقاشات القمة، حيث عبر القادة العرب والمسلمون عن تضامنهم مع الشعب اللبناني في ظل الأزمات المتعددة التي يواجهها. وتم اتخاذ قرارات لتعزيز الاستقرار والدعم للبنان، أهمها:
دعم الاستقرار والأمن اللبناني: أكدت القمة على ضرورة دعم لبنان ليتمكن من تجاوز أزماته، وتم التأكيد على أهمية حماية مؤسساته وضمان استقلالية قراره.
تعزيز التعاون الاقتصادي: تعهدت الدول المشاركة بتقديم دعم اقتصادي وإنساني يخفف من معاناة اللبنانيين، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم.
الحياد ودعم الإصلاحات: دعت القمة الأطراف السياسية اللبنانية إلى تحقيق توافق وطني بعيدًا عن التدخلات الخارجية، مع التركيز على تنفيذ إصلاحات سياسية تساهم في استقرار البلاد.
القمة وموقفها من غزة: دعم صمود الشعب في وجه الحصار
جاءت غزة على رأس أولويات القمة العربية الإسلامية، حيث تعهد القادة بدعم صمود الشعب الفلسطيني في غزة، خاصةً في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة. وأكدت القمة على ما يلي:
دعم إنساني عاجل: تعهدت الدول المشاركة بتقديم دعم إنساني عاجل لقطاع غزة، يشمل توفير الغذاء والدواء والمستلزمات الطبية.
التصدي للحصار: دعا القادة المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن غزة، مؤكدين أن هذا الحصار يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ويجب وضع حد له.
إعادة الإعمار: أعلنت القمة عن مبادرة لدعم إعادة إعمار غزة، وتقديم مساعدات مادية وفنية تسهم في بناء البنية التحتية التي تضررت بشكل كبير بسبب الحصار والهجمات المتكررة.
آفاق المستقبل وتحديات التطبيق
ورغم القرارات الطموحة والتطلعات الكبيرة، يظل التحدي الأكبر أمام القادة العرب والمسلمين هو القدرة على تحويل هذه القرارات إلى واقع ملموس. فالتحديات الداخلية لكل دولة، والتباينات السياسية، والتحديات الاقتصادية تجعل من تطبيق هذه القرارات أمرًا يتطلب التزامًا مستدامًا وإرادة قوية.
خاتمة: قمة الأمل والتحديات
مثل انعقاد القمة العربية الإسلامية في الرياض خطوةً هامة نحو بناء وحدة عربية وإسلامية تتجاوز الأزمات الآنية نحو استقرار طويل الأمد. مع تزايد التحديات التي تواجه المنطقة، يبقى دور القادة في تحويل هذه الرؤى إلى واقع يخدم تطلعات الشعوب ويمهد لمستقبل آمن ومستقر، وخصوصًا دعم غزة وفلسطين، والحفاظ على استقرار لبنان، ما يعكس عمق التضامن العربي الإسلامي ويؤكد وحدة المصير المشترك
منذ يوم