مع حلول الشتاء القارص، وعن الموعد الذي سينتهي فيه البرد الشديد ونعود إلى دفء الربيع، بالنسبة لأجدادنا المصريين القدماء، كان فصل الشتاء ظاهرة معروفة ومألوفة بفضل تقويمهم المدروس لتغيرات الطقس، خاصة فيما يعرف بـ"أربعينية الشتاء".
من خلال تقسيمٍ دقيق، صنّفوا هذه الأربعينية إلى فترات محددة تعكس شدة البرودة وتقلباتها، مما ساعدهم على التأقلم والتخطيط لمواسم الزراعة وتوجيه حياتهم اليومية وفقاً لها.
لذلك نستعرض هذا التقويم القديم لنتعرف على "أربعينية الشتاء" وتفاصيله التي ما زالت تُلهمنا اليوم.
1. أربعينية الشتاء:
تقسيم علمي قديم لموسم البرد تعد "أربعينية الشتاء" واحدة من التقسيمات الزمنية القديمة التي استخدمها المصريون القدماء، وتستمر لمدة 40 يومًا تقريباً من 25 ديسمبر وحتى 2 فبراير. قُسِّمت هذه الأربعينية إلى 20 ليلة بيضاء و20 ليلة سوداء، حيث كان لكل قسم سماته التي تميز درجات البرودة وطبيعة الطقس خلاله، مما أضفى بُعدًا خاصًا لكل فترة من فترات الشتاء.
2. الليالي البيضاء:
البداية الصارخة للشتاء تشمل الليالي البيضاء أول 20 ليلة من "أربعينية الشتاء" وتمتد من 25 ديسمبر حتى 13 يناير. وقد تم تقسيمها إلى فترتين:
الكوالح:
تبدأ هذه الفترة من 25 ديسمبر وتستمر حتى 3 يناير، وتُعرف بأنها بداية فترة البرودة القوية في الشتاء، حيث تشتد درجات البرودة بشكل ملحوظ.
الطوالح:
تبدأ من 4 يناير حتى 13 يناير، وتتميز بكونها أشد فترات الليالي البيضاء برودة. تُعتبر ذروة الشتاء، حيث يصبح الجو بارداً للغاية ويزداد تأثير البرد على الحياة اليومية.
كانت الليالي البيضاء توضح للأجداد المصريين أن فصل الشتاء قد دخل في مراحله الأكثر صرامة، وأن عليهم الاستعداد لمواجهة درجات الحرارة المنخفضة في تلك الفترة من العام.
3. الليالي السوداء:
بداية استقرار جذور الحياة بعد الليالي البيضاء، تأتي الليالي السوداء والتي تبدأ من 14 يناير وتمتد حتى 2 فبراير. وقد قُسمت أيضاً إلى فترتين رئيسيتين:
الموالح:
تبدأ من 14 يناير وتستمر حتى 23 يناير. تشتهر هذه الفترة بالبرودة المستقرة والتي تكون أقل قسوة من الليالي البيضاء، لكن الجو يظل بارداً.
الصوالح:
تبدأ من 24 يناير حتى 2 فبراير، وهي أكثر الفترات تأثيراً على الزراعة، حيث تُعتبر مرحلة زراعة النباتات ونمو جذورها بفضل البرودة الثابتة. وقد أحبوها المصريون القدماء لأن جذور النباتات كانت تثبت في الأرض، وتستعد للنمو من جديد.
تميزت الليالي السوداء بأهميتها بالنسبة للزراعة، حيث كان يتم استغلالها في زراعة جذور النباتات وتثبيتها في التربة، مما يعكس ذكاء الأجداد في متابعة الدورة الزراعية وتكييفها مع فصول السنة المختلفة.
4. فترة العزازة:
بين البرد والدفء عند انتهاء الأربعينية، تبدأ فترة العزازة من 2 فبراير وتستمر حتى 11 فبراير، وتمثل هذه الفترة الانتقالية تذبذب الطقس بين الدفء والبرد. في العزازة، يستعد الناس لاستقبال الربيع بعد برودة الشتاء القارص، حيث يبدأ الدفء بالتسلل تدريجياً، على الرغم من بقاء برودة خفيفة.
كانت العزازة تُعرف بفترة التقلبات الجوية، إذ لم يكن الجو ثابتًا بين البرد والدفء، وهذا ما جعلها تُعتبر محطة انتقالية نحو اعتدال الطقس، وبالتالي تُتيح للأفراد الاستعداد لفصل الربيع.
5. ليالي القرة:
آخر موجات البرد الشديد بعد العزازة، تأتي ليالي القرة، وهي 3 ليالٍ شديدة البرودة تمتد من 12 فبراير حتى 14 فبراير، وتعتبر أشد ليالي الشتاء قسوةً، لتكون خاتمة لطقس الشتاء البارد. ومع انتهاء هذه الليالي، يكون موسم البرد الشديد قد انتهى فعلياً، ويبدأ فصل الربيع بالدخول تدريجياً.
6. التقسيم الفلكي وأثره على الزراعة والحياة اليومية
كان تقسيم أجدادنا المصريين للشتاء اعتماداً على هذا النظام الفلكي الفريد وسيلة لمتابعة طقس كل ليلة وتحقيق التوازن بين الحياة الزراعية واليومية. فعندما تنبأوا بمواسم الشتاء، استطاعوا التخطيط الدقيق للزراعة والري، ومعرفة الوقت الأنسب لزراعة المحاصيل وحماية المحاصيل من التجمد.
كان نظام "أربعينية الشتاء" يساعد المزارعين على توقع الأيام الأشد برودة، والاستعداد لها بحماية محاصيلهم، وتوفير الاحتياجات الغذائية والأعلاف للماشية، والتي كانت من أهم مصادر الحياة في ذلك الوقت.
أربعينية الشتاء ليست مجرد فترة من الليالي الباردة، بل هي تجسيد لحكمة أجدادنا المصريين في دراسة الطبيعة وفهم فصول السنة وتغيرات الطقس. بفضل هذا النظام، تمكن المصريون القدماء من التكيف مع البيئة القاسية، وتوجيه حياتهم الزراعية والاقتصادية بشكل يتناسب مع ظروف الشتاء. وما زالت "أربعينية الشتاء" رمزاً لتراثهم المعرفي والبيئي، الذي نستلهم منه اليوم كيف يمكن للإنسان أن يتعايش مع الطبيعة، ويعزز صلته بالبيئة من حوله.
منذ يوم