البحث عن الشهرة.. وأشياء أخرى | نبيلة حسني محجوب #مقال

ماذا يحدث لنا؟ لماذا يسعى الجميع إلى الظهور على قنوات التواصل الاجتماعي؛ ليهرف بما لا يعرف؟!.

هناك مَن يستعرض حياته في السفر وفي الحضر، وهناك مَن يستعرض حياته المنزليَّة!.

وهناك مَن يستعرض رعايته لوالديه أو زيارته للمرضى، أو... أو... إلى ما لا نهاية من الممارسات، التي تتم في السر والخفاء، أصبحت علنًا بالصَّوت والصُّورة.

كلُّ أولئك هم أحرار في استعراض أنفسهم وحياتهم، لكنَّ الخطر الحقيقي في أولئك الذين يفتُون في الدِّين والصحَّة والعلم والطِّب، والطِّب البديل، وفيما يمكن أنْ يتسبَّب في أذى أو ضرر للآخرين الذين يتابعونهم بشغفٍ، ويُصدِّقون كلَّ ما يقولون.

إحدى السيِّدات كبيرات السِّن كانت منتظمةً في تناول دواء ارتفاع الضَّغط، ثم شاهدت أحد المدَّعين يحذِّر المتابعين من دواء ارتفاع ضغط الدَّم، وأنَّه أخطر من ارتفاع ضغط الدم، وأنَّ الأطباء وشركات الأدوية تسعى خلف الربح، ولا تهتم بصحَّة البشر!.. توقَّفت السيِّدة تمامًا عن تناول الدواء، حتَّى حملوها إلى المستشفى في حالة يُرثى لها.

لا نعرف أين الصحُّ؟ وأين الخطأ؟ عندما يتعلَّق الأمر بالصحَّة، لذلك نلجأ إلى الأطباء المختصِّين؛ ليرشدونا إلى العلاج، ونتبع تعليماتهم، ونحرص على مراجعتهم عند كل مستجد، لكنَّ هؤلاء الذين يبحثون عن الشهرة وعن المال؛ أصبحوا أخطر من الأوبئة والأمراض.

أمَّا بالنسبة لعلم الطَّاقة والأبراج، فحدِّث ولا حرج، حتَّى الأسماء أصبحت لها طاقة حسب الحروب، وطاقتها الإيجابيَّة أو السلبيَّة.

ماذا تضع في بيتك؟ وهل يجلب الطَّاقة السلبيَّة إذا وُضِعَ في غرفة النوم، أو في دورات المياه، أو في مدخل المنزل؟!.

حتَّى الأبراج لم يعدْ الطالع هو الذي يُعرض، بل ما هي الأبراج الشِّريرة، الجشعة، البخيلة وصفات كثيرة، حتَّى أنَّك تحاول الفرار من كل مَن حولك، أو تكره نفسك إذا صادف برجك إحدى تلك الصفات!.

الأعشاب الطبيَّة والأغذية، ووصفات الطعام القاتلة، والأنظمة الغذائيَّة، والصِّيام المتقطِّع.

المشكلة أنَّ هناك تناقضًا كبيرًا بين الآراء حول الأمر الواحد.

مثلًا الصِّيام المتقطِّع موضة العصر؛ التي يكاد الجميع يتَّبعها، أو يدَّعي أنَّه يتَّبعها -لستُ منهم- بينما يظهر أحد الأطباء في بودكاست، يحذِّر من الصِّيام المتقطِّع؛ لأنَّه يتسبَّب في الإصابة بالسُّكر عندما يرتفع السُّكر في الدَّم نتيجة الجوع!.

أيُّهما صحيح؟ هنا يحدث التشويش، والإضرار بصحَّة البشر.

لا أريد الاسترسال في استعراض الأمور المتضاربة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها أكثر وأكبر من الحصر، لكن المدهش حقاً أن الجميع أصبح متحدثاً في كل علم وفن، حيث تاهت الحقيقة، واختلط الحابل بالنابل، وأصبح الظهور على وسائل التواصل شغف الصغار والكبار، من يملك خبرة ومن لا يملك، من يمتلك القدرة على إيصال المعلومة، ومن لا يمتلك أي موهبة.

عندما يصبح جميع أفراد المجتمع مشاهير، ولأجل الوصول إلى الشُّهرة، لابُدَّ من ارتفاع عدد المتابعين، لذلك الجميع يطلب متابعته أو توصية الأصدقاء والمعارف، بنشر الفيديوهات والمقاطع بشكل مملٍّ ومزعج!.

مَن يُقرِّر بأنَّ رأيه الصَّواب، سواء في هذه القضيَّة أو تلك، وأنَّ ما تفوَّه به هو الحقيقة؟.

كل ما أمتلك مهارةَ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يُبدي رأيه في كل الأمور.

بعض من السنابيِّين، أو التكتوكيِّين يتحدَّث وكأنَّه يُعنِّف المتابعين، بحدَّة الصَّوت والكلمات، إحداهنَّ عندما تتحدَّث عن النِّساء تذكرهنَّ قائلة: «يا حرمة، أو الحريم».. ما هذه اللغة السوقيَّة التي تستخدمها في مجال النُّصح والإرشاد، ألَا يكون مهمًّا اختيار المفردات المناسبة للموضوع المطروح؟.

فرض الرأي في قضايا وأمور اجتماعيَّة، أو لها علاقة بالدِّين أو الممارسات الدِّينية، أو أفكار حول الأمراض أو علاجها، لا تُطرح هكذا جزافًا، لابُدَّ أنَّ مَن يتولَّى طرح تلك القضايا أنْ يكون مختصًّا وخبيرًا، كي لا يُضلِّل خلق الله.

عندما يتم بث ونشر الآراء الشخصيَّة على أنَّها حقائق، يحدث هذا التشويش.

كيف تكون متأكدًا من أنَّ رأيك الشخصي ومنظورك الخاص الذي كوَّنته ربما نتيجة مشاعرك الخاصَّة التي ليست مرتكزًا علميًّا لمعرفة الحقيقة، أو نتيجة ثقافتك، أو بيئتك، أو طريقة حياتك، أو ممارساتك، هو القول الفصل؟.

كل تلك الأسباب لا تنتمي إلى الحقيقة، بل هي أمور تكوينيَّة لتفكيرك ومشاعرك وسلوكك الذي ليس مهمًّا؛ لأنْ يتطابق مع الآخرين، كذلك ربما لا يتَّفق مع أمزجتهم وأفكارهم وحياتهم.. اعترف أوَّلًا أنَّك لا تعرف أو تبحث عن الحقيقة، بل تبحث عن الشُّهرة والمال على رقبة العباد!.


المزيد من صحيفة المدينة

منذ 9 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ ساعة
منذ 10 ساعات
منذ 8 ساعات