اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الشهرين الماضيين، عددا من قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية، أبرزهم رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية ويحيى السنوار الذي تم تعيينه خلفا لهنية، بالإضافة إلى أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله والذي دشن جبهة إسناد قوية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة طوال 13 شهرا متواصلة، دخلت لبنان على إثرها تصعيدا مع الاحتلال الإسرائيلي خاضت فيه معارك ضارية في الأسابيع الأخيرة خاصة مع التوغل البري لجيش الاحتلال داخل الأراضي اللبنانية.
ظنّ جيش الاحتلال، أن استهداف واغتيال قيادات على رأس هرم المقاومة في فلسطين ولبنان سيقوض المقاومة ويحدّ من قدرتها على تنظيم نفسها والعمل بشكل فعال ضد قوات الاحتلال في غزة ولبنان، لكن اغتيال القادة أثبت أنه كلما غاب سيد قام سيد، وأن المقاومين على الأرض يواصلون خوض المعارك الضارية بنفس الفعالية وأشدّ من ذي قبل، ففي النهاية يحظى قادة المقاومة بمرادهم وغايتهم المتمثلة بالشهادة على طريق القدس وتروج لهم "إسرائيل" عن غير قصد كأبطال وأساطير بعدما نظمت حملات ممنهجة لتشويههم مثل قائد حماس ومهندس معركة طوفان الأقصى يحيى السنوار، رغم اعتبار اغتيالهم ضربة كبيرة، وليست مجرد حدث رمزي، إلا أنها تركت فراغا سرعان ما يتم ملؤه خاصة في تنظيمين كحماس وحزب الله اللذان تزداد قوتهما بعد كل اغتيال رغم الضرر.
أكدت تقارير عبرية، أنه على صعيد الجبهة اللبنانية؛ تضاعف عدد صافرات الإنذار وشهدت شمال فلسطين المحتلة آلاف الإنذارات فقط خلال الشهر الأخير (أكتوبر 2024)، والذي أعقب استشهاد نصر الله. وفي غزة ولبنان معا؛ مثل شهر أكتوبر "شهرا أسود" بسبب عدد القتلى غير المسبوق منذ يناير 2024، مع تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية على أرض غزة والتي ألحقت أضرارا كبيرة في جيش الاحتلال وقواته وآلياته، وأجهزت عناصر المقاومة الفلسطينية على عدد كبير من جنود الاحتلال في كمائن محكمة.
موت أسطوري خلقته إسرائيل
شكل مقتل يحيى السنوار الذي طاردته إسرائيل لسنوات، وكثفت من مطاردته بعد السابع من أكتوبر 2023 حيث يعتبر مهندس عملية طوفان الأقصى، أسطورة خلقتها إسرائيل التي لم تدرك أن بثها لصور وفيديوهات ارتقائه بزي عسكري وعلى أرض المعركة لا في الأنفاق ولا "هاربا" خارج غزة وأنه يتجول مع حقيبة من الأموال كما أشيع إسرائيليا، زادت من شعبيته كقائد ومقاتل على أرض المعركة معا، وشكل أسطورة ليس فقط على مستوى محلي بل عالميا حاز بإشادات واسعة وشعبية واسعة فاقت شعبيته خلال حياته، لدرجة أن بعض الأنظمة باتت تخشى على موقفها الداعم لإسرائيل خاصة العربية.
يقول د. أحمد رفيق عوض، الكاتب والمحلل السياسي، إن عمليات الاغتيال لا تؤدي إلى نتائج على الإطلاق على الأقل في الحالة الفلسطينية، لأن اغتيال الأشخاص لا يعني اغتيال حقوق شعب، أو تحديد مصير شعب، لذلك هناك مشكلة في الفكر الاستعماري الغربي متمثلة بأن قتل الزعيم أو القائد يعني قتل وتفكك منظومة المقاومة.
وأضاف عوض في حديث لـ صحيفة الحدث، أن الزعيم أو القائد لا يمثل وحده الحقوق كما يظن الفكر الاستعماري، وليس الشعب، ولهذا السبب فإن الاغتيالات لم تنجح ولن تنجح على الإطلاق في تنفيذ أهدافها، فالاغتيالات الإسرائيلية بدأت منذ ثلاثينات القرن الماضي أي نحو 100 عام من الاغتيالات ولم تؤد إلى إنهاء القضية الفلسطينية أو التخلي عن حقوق الفلسطينيين أو حتى إنهاء المقاومة أو إضعافها، وما حدث هو العكس.
وأكد أن الاغتيالات الإسرائيلية على مدار السنوات الماضية فشلت في تحقيق المطلوب منها، لكن "المحتل يعتقد أن الاغتيالات تقتل الرموز وهذا خسارة رمزية ومعنوية، وقتل الكاريزماتية والكفاءات النادرة وبالتالي تؤخر التقدم والقدرة على القيادة والقدرة على الإنجاز، ويعتقدون أن الاغتيالات تؤدي إلى خلخلة البنية الهيكلية وفقدان السيطرة والارتباك والفوضى وظهور التنازع الداخلي بين الشخصيات والصراعات الداخلية".
وبحسب عوض، فإن الاغتيالات لا تؤدي إلى نتائج على المدى الطويل ولكن الاغتيالات تؤدي إلى نتائج على المدى القصير وهذا ما تفعله إسرائيل تماما، بالإضافة إلى أن الاغتيالات على الطريقة الغربية الاستعمارية، فإنها مخيفة وتدعو للخوف، وقد تدعو إلى الاعتدال أو الشلل، وبالتالي الإسرائيلي يفكر بطريقة مختلفة عن الطريقة الفلسطينية، التي يفكر فيها الفلسطيني أنها لن ولا تؤدي إلى نتائج، بينما يرى الإسرائيلي أنها تؤدي إلى نتائج.
ويردف: الاغتيالات تبقى أداة من أدوات الإسرائيليين المستمرة لأن فيها نتائج بالنسبة لهم، على الرغم من أنها على أرض الواقع لا تؤدي إلى نتائج بالنسبة للفلسطينيين.
ووفق الكاتب والمحلل السياسي رفيق عوض، فإن الاغتيالات لا تؤدي إلى نتائج لأن المقاومة لا تموت وغير قادرة على الموت، ولهذا السبب فإن المقاومة تضطر وتقدر على أن ترمم نفسها إما بسرعة أو من خلال بعض الوقت، بسبب عدم إمكانية خروج قائد بمعنى قائد كل يوم، وهذا أمر مهم خاصة إذا كانت تريده بحجم وكاريزما معينة، لأنها يجب أن تبقى كمقاومة ولكن حتى تبحث عن قائد جديد له مواصفات القائد السابق فإن هذا يحتاج إلى وقت وجهد وإعادة التوازنات من جديد.
واعتبر أنه بعد اغتيال حسن نصر الله ويحيى السنوار، فإن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، كانتا قادرتين على إعادة الترميم بسرعة، لأسباب كثيرة ومختلفة، بسبب أن القائد غاب في ظروف الحرب وهو ما يستوجب إعادة ملء الفراغ بسرعة كبيرة. مشددا على أن الاغتيالات خاصة اغتيال السنوار يعتبر لدى الإسرائيليين انتصارا معنويا، فضلا عن أنه له رمزية مهمة، ولكنه لم يغير من مجريات الحرب، بل أصبحت الأمور أكثر صعوبة تورطا وتعقيدا.
ولفت إلى أنه بعد اغتيال السنوار الأمور ستصبح أكثر صعوبة، إذ إن حركة حماس أو القادة الميدانين في قطاع غزة يسحبون البساط من تحت فرحة الإسرائيليين، ليكون المحتجزين في خطر داهم، مؤكدا أن هناك قلقا كبيرا على مستوى القادة الإسرائيلية على مستوى هؤلاء المحتجزين. موضحا أن اغتيال السنوار على وجه التحديد لا يدفع حركة حماس للاستسلام، ولا للهروب ولا لرمي السلاح، لافتا إلى أن القائد الجديد لحماس التي سيتم انتخابه عليه الاختيار ما بين طريق مرن يقرأ الواقع أو أن يأخذ هذا الطريق المتحدي الاستشهادي الذي ليس فيه أي مرونة أو رغبة في التفاوض، خاصة أن إسرائيل لن تتوقف عن الحرب كما قال بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
وتكمن أهمية اغتيال القادة كنصر الله والسنوار مثلا، في مستوى الفارق الاستراتيجي الذي تحدثه في التحولات السياسية والعسكرية؛ فاغتيال قائد مركزي قد يكون حدثًا يقود لتغيرات استراتيجية، وقد يكون حدثًا عملياتيًا تكتيكيًا، وهذا يرتبط بمستوى التحولات، خاصة وأن لدى إسرائيل عقدة في تعاملها مع الحركات العقائدية والأيديولوجية المتماسكة في أن الاغتيال السياسي لم ينجح في صناعة الفارق الاستراتيجي الذي أحدثته مع غيرها من الحركات والدول عبر الاغتيالات.
وبالرغم من كثافة الاغتيالات عدديًا للصف الأول من قادة حركة حماس، من المؤسس الشيخ أحمد ياسين إلى رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية ونائبه صالح العاروري والسنوار، وبينهم سلسلة طويلة من الصف الأول، فإنَّ ذلك لم يحدث تحولات منهجية في الحركة، وبالتالي كان تأثير الاغتيالات على حركة حماس إجراءً عملياتيًا محدودًا يرتبط بإعادة ترتيب أوراق تنظيمية لا أكثر، بينما كان عند غيرها سببًا في انقلاب داخلي وتغير جذري في المسارات.
ويرى مراقبون، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي في تصريحه بأن "استهداف قادة ورموز المقاومة الذين يتمتعون بكاريزما عالية من شأنه أن يغير شكل الشرق الأوسط" استنتاج غير واقعي وقياس في غير مكانه.
ويعتبر محللون إسرائيليون، أن سياسة الاغتيال تقود إلى نتائج عكسية، فتعمل على توسيع دائرة المقاومة، ولن تقضي على المقاومين، الذين سرعان ما يتم استبدالهم بآخرين، وفي أحسن الحالات قد تدخل بعض المنظمات في حالة فوضى لمدة قصيرة من الزمن إذا كان المستهدف شخصية مركزية في منظمة يعتمد وجودها على هذه الشخصية، قبل أن تستعيد عافيتها، وربما تصبح أكثر قوة وتنظيمًا.
منذ 14 ساعة