راسم عبيدات: الاستيلاء على المقر الرئيسي للأونروا محاولة لاستهداف حق العودة الفلسطيني
مدحت ديبة: إجراءات الاحتلال ضد الأونروا غير قانونية لأنها لا تخضع للقانون الوضعي الإسرائيلي
الحدث - شوار عبد ربه
في العاشر من تشرين الأول 2024، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الاستيلاء على الأرض المقام عليها مقر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وتحويل الموقع إلى بؤرة استيطانية تضم 1,440 وحدة استيطانية، في إطار تصعيد الإجراءات ضد الوكالة.
وقال المحامي مدحت ديبة في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، إن الاحتلال يسعى إلى تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) عبر سنّ عدة قوانين تستهدف عمل الوكالة، لعل أبرزها إعلان "الأونروا"، منظمة خارجة عن القانون أو داعمة للإرهاب على حد تعبيرهم، تمهيدا لحظر وجودها في القدس، ومن ثم طردها من فلسطين.
وصادقت ما يسمى بـ "لجنة الخارجية والأمن" التابعة لـ "الكنيست" على مشروع قانون يهدف إلى قطع العلاقات بين الاحتلال والوكالة الدولية، وهو وجزء من سلسلة قوانين تقدم بها عدد من أعضاء "الكنيست" لتقييد أنشطة الوكالة في المدينة المحتلة.
وأوضح المحامي أن أخطر ما في هذه القوانين هو مشروع قرار يقضي بفك العلاقة بين الاحتلال والأونروا، إذ يسعى الاحتلال للتبرؤ من وجود منظمة هو السبب في إنشائها، ما سيعود بالضرر على العائلات التي تعتاش على مساعدات هذه المنظمة، بالإضافة لضرر سيطال موظفيها وعامليها، باعتبارهم متماهين مع منظمة "إرهابية".
ويعتبر القرار الإسرائيلي خطيرا وذو أبعاد سياسية ذات صلة بدعم اللاجئين الفلسطينيين قد يؤدي إلى منع عمليات الوكالة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين وكذلك إعاقة عملياتها في قطاع غزة خاصة بعد إعلان العديد من الدول وقف الدعم المقدم للأونروا على خلفية المزاعم الإسرائيلية بشأن مشاركة عدد من موظفيها في أحداث السابع من أكتوبر والتي لم يتم إثباتها وإنما الانسياق وراء الرواية الإسرائيلية بالخصوص دون أدلة والتي ثبت لاحقا بطلانها، وكل ذلك بهدف الوصول إلى تصفية وجودها في فلسطين.
وأنشئت الوكالة في أعقاب النكبة عام 1948، بموجب القرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار عام 1950.
وأشار ديبة إلى أن دور المنظمة في القدس المحتلة، هو دور صحي وتعليمي، بالإضافة لتوزيع المؤمن والمساعدات لذوي الاحتياجات في مخيمات اللاجئين في القدس وهما مخيم قلنديا الذي تأسس عام 1949 ويقع في شمال المدينة، ويضم نحو 16 ألف لاجئ، ومخيم شعفاط الذي تأسس عام 1965 في شرق المدينة، ويضم ما يقارب 16 ألف لاجئ.
تحريض ممنهج وقديم
وأشار المحامي ديبة، إلى وجود تحريض ممنهج من قبل قطعان المستوطنين ومنظمات استيطانية تسعى إلى السيطرة على الأرض المقام عليها مقر الأونروا في حي الشيخ جراح، والتي تحوي أيضا مقر المفوض العام للأمم المتحدة، ومخازن تابعة للمنظمة.
وأوضح: منذ ما قبل الحرب على غزة، برزت العديد من المنظمات الاستيطانية التي تحرض ضد الأونروا، من خلال الضغط على مسؤول الأراضي في السلطة التابعة للاحتلال لفرض دفع الإيجارات المستحقة على المنظمة.
وأضاف: "قبل حوالي عام، تم توجيه كتاب شديد اللهجة إلى الأونروا يطالبها بسداد بدلات إيجار غير مستحقة لم تُدفع، على الرغم من وجود اتفاق يعود إلى عام 1967 بين حكومة الاحتلال ومنظمة الأمم المتحدة يعفي الأونروا من دفع الإيجار. والآن، يتم التحلل من هذا الاتفاق من خلال إصدار عدة قرارات وقوانين جديدة تهدف إلى تشويه وشيطنة الأونروا".
وكانت سلطات الاحتلال قد طلبت من الأونروا إخلاء مقرها الرئيسي في حي الشيخ جراح بالقدس بداعي "استخدام الأرض دون موافقة سلطة أراضي الاحتلال"، وتغريم الوكالة وإجبارها على دفع عشرات ملايين الشواقل كإيجار متأخر عن السنوات التي استخدمت فيها العقار.
من جانبه، أوضح الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، أن الاستهداف في مدينة القدس يعود إلى زمن رئيس بلدية الاحتلال السابق نير بركات، وليس فقط خلال فترة موشيه ديان. فقد عمل بركات على محاولة تصفية وجود مخيم شعفاط في المدينة من خلال السيطرة على مراكز الخدمات والعيادات الصحية التابعة للوكالة داخل المخيم، وربط تلك الخدمات ببلدية الاحتلال، مما حال دون تقديم وكالة الغوث خدماتها. كما سعى إلى هدم المنازل غير المرخصة، مدعياً أنه يحاول إنشاء حي حضاري يمحو وجود المخيم، الذي يمثل شاهداً على النكبة.
ولذلك، فإن هذا الاستهداف ليس جديداً؛ فقد حاولوا إغلاق المدارس والخدمات الصحية والمراكز الاجتماعية منذ ذلك الوقت. وبعد معركة طوفان الأقصى، ظهرت عملية شيطنة للوكالة، حيث تم اتهام بعض العاملين فيها بالمشاركة في المعركة دون تقديم أدلة واضحة أو لوائح اتهام، وفقا لعبيدات.
وأشار المحلل السياسي إلى أن الولايات المتحدة، الشريك لدولة الاحتلال، عمدت إلى شيطنة وكالة الغوث وقطع التمويل عنها، وتبعتها دول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا وكندا. ومع عدم تقديم الاحتلال لأي أدلة ملموسة، أعادت العديد من الدول الأوروبية تمويل الوكالة، بينما أجلت الولايات المتحدة ذلك إلى تموز 2025.
وسبق أن شهدت الوكالة عملية تحريض واسعة من قبل ما يسمى بوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غبير والجماعات الاستيطانية التي قامت بعدة أنشطة أمام مقر الوكالة ودعت إلى إغلاقه، وعملت على إحراق جزء منه، مما شكل خطورة جسدية على العاملين في الوكالة، ناهيك عن استهدافهم بشكل شخصي وتعريض حياتهم للخطر.
وكان مستوطنون قد نظموا في الأشهر الماضية سلسلة من الاحتجاجات قبالة مقر الوكالة للمطالبة بإغلاقها. كما قاموا بإضرام النار في أرض بمحيط المقر.
وفي أيار الماضي، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، إضرام مستوطنين النار "مرتين"، في محيط مقرها الرئيسي بمدينة القدس المحتلة، أثناء وجود موظفي الأونروا ووكالات الأمم المتحدة الأخرى في المقر.
قضية اللاجئين تواجه خطر التصفية وشبح الاستيطان يتغول
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات أن "خطورة هذا القرار تتمثل في أن الاستيلاء على المقر الرئيسي لوكالة الأونروا يُعد محاولة لاستهداف حق العودة الفلسطيني، حيث يسعى الاحتلال إلى تصفية هذا الحق من خلال إلغاء وجود الوكالة، التي تعتبر شاهداً على الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك عمليات الطرد والتهجير والنكبة.
علاوة على ذلك، يسعى الاحتلال إلى القضاء على أي وجود لمقرات وكالة الأونروا في مدينة القدس المحتلة، إذ يعتبر الاحتلال أن هذه المدينة هي عاصمة موحدة لدولته. وبالتالي، فإن وجود مؤسسات تابعة للوكالة، مثل مخيم شعفاط ومركز التدريب المهني في قلنديا، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية والخدماتية، يُظهر المدينة، على أنها محتلة. إذ يعكس وجود الوكالة وقيامها بتقديم الخدمات لسكان فلسطينيين أن القدس ليست عاصمة للاحتلال، بل هي مدينة ذات هوية فلسطينية تحظى برعاية دولية، وفقا لعبيدات.
أما فيما يتعلق بالمشاريع الاستيطانية التي يهدف الاحتلال إلى إقامتها، قال المحلل السياسي إن "الاحتلال يخطط لإقامة مشاريع استيطانية في تلك المنطقة التي تقع في موقع استراتيجي، وذلك عبر إزالة الخط الفاصل بين شرق القدس وغربها، وإقامة حزام أمني يمتد من تلك المنطقة ومن ثم يتجه إلى حي الشيخ جراح بشقيه الشرقي والغربي، مرورا بكرم المفتي، حتى يصلوا إلى منطقة وادي الجوز ومقر وزارة الداخلية التابعة للاحتلال، ثم إلى الأحياء الاستيطانية في منطقة سلوان جنوب المسجد الأقصى، ما يعني تحويل المنطقة الجنوبية كاملة إلى بؤر استيطانية.
القانون الدولي في مواجهة محاولات الاحتلال
وفي هذا الجانب، أوضح المحامي مدحت ديبة لـ "صحيفة الحدث"، أن القانون الوضعي الإسرائيلي لا ينطبق على المنظمات الدولية، التي تخضع بدلاً من ذلك للمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية. وخطوة الاحتلال في سعيه لتطبيق القانون الإسرائيلي على منظمة أممية تعني في الواقع محاولة لإلغاء أحد المبادئ القانونية الأساسية، وهو أن القانون الدولي الإنساني يسري على الأراضي المحتلة.
وأشار إلى أن كل الإجراءات التي تتم من قبل حكومة الاحتلال و"الكنيست" غير قانونية بالمطلق.
من جانبه، أوضح المحلل السياسي راسم عبيدات أن محاولة شطب وكالة الأونروا التي أنشئت بقرار أممي، يضع علامة استفهام على شرعية دولة الاحتلال، ذلك أن شطب الوكالة يحتاج إلى مصادقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولذلك من المتوقع ألا تجري المصادقة على القراءتين الثانية والثالثة في "الكنيست"، كي لا تتوجه الوكالة بدورها إلى الأمم المتحدة للمطالبة بشطب عضوية الاحتلال فيها.
يشار إلى أنه بمجرد المصادقة على القانون بالقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست فإن الاحتلال سيلغي الوضع الدبلوماسي للوكالة وموظفيها وهذا سيلغي بدوره الحصانة والمزايا الضريبية، كما سيقطع قنوات التواصل بين مسؤولي أونروا والمسؤولين الإسرائيليين.
يذكر، أنه وفق التعريف العملياتي للأونروا؛ فإن لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946، ومايو 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948.
وتقدم الأونروا المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين (التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والتشغيل والخدمات الاجتماعية وغيرها) في مخيماتهم في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وكذلك في الأردن ولبنان وسوريا، وتعتبر الأونروا شريان حياة أساسي للملايين من اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهم.
ورغم أن الأونروا تحمل ثقلا ماديا كبيرا عن الاحتلال الإسرائيلي بوصفه القوة القائمة بالاحتلال، إلا أن الاحتلال يحاول القضاء على الأونروا كونها جهة دولية تحافظ على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما يمثل تهديدا لـ "يهودية دولة الاحتلال"، وبعد الحرب الأخيرة بات يسعى الاحتلال علنا لإنهاء وجود الأونروا، وأكد وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي أن مكتبه يعمل على الترويج لسياسة تفكيك الأونروا في غزة، وألا يكون لها وجود في اليوم التالي للحرب، ودعا الدول لتعليق تمويل الأونروا، وظل الاحتلال وأذرعه حول العالم تلفيق الاتهامات للأونروا، في الوقت الذي يذبح فيه الاحتلال الفلسطينيين في غزة.
وفي سياق المزاعم الإسرائيلي بخصوص وكالة الأونروا؛ أصدرت الأونروا تقريرا في فبراير الماضي، أكدت فيه أن عددا من موظفيها الذين أفرج عنهم من سجون الاحتلال قالوا إنهم تعرضوا لضغوط خلال التحقيق ليدلوا بأقوال كاذبة بأن الوكالة على صلة بحركة حماس وأن موظفين بها شاركوا في هجمات السابع من أكتوبر.
وذلك عقب فصلها عددا من موظفيها على خلفية المزاعم والأكاذيب الإسرائيلية التي ساهمت في وقف عدد من الدول تمويل الأونروا التي عانت خلال الحرب من أزمة كبيرة في التمويل هددت استمرار قيامها بأعمالها.
منذ 21 ساعة