منذ 8 ساعات
بحيلة بدائية «فريدة».. مشروع قومي يحمي ثُلث سواحل الدلتا من الغرق | صور وفيديو

قبل عشرات السنين استخدم مواطنو كفرالشيخ حيلة بدائية بسيطة لحماية منازلهم من أثر هجوم البحر المتوسط الضاري على منازلهم وأراضيهم، يهدمها ويغرقها، فكانت تلك الحيلة بمثابة وسيلة الحماية لأسرهم من أن تفتك بهم تلك التغيرات المناخية التي تتسبب في توحش أمواج البحر.

ربما لم يدرك أهالي كفرالشيخ -وقتها- أن تلك الوسيلة البدائية ستكون يومًا نواة فكرة، يعتمد عليها مشروع قومي، يحمي أراضيهم، بأسلوب وتصميم هندسي علمي، ليلوح أمام أعينهم عمل عبقري استخدم فكرتهم القديمة، شمر لتنفيذه أبناء مصر عن سواعدهم، حتى أصبح محط أنظار الجميع من المواطن البسيط إلى المسئولين الدوليين.

الدلتا من أكثر المناطق المعرضة للغرق في العالم الدكتور محمد أحمد، مدير مشروع «تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي ودلتا نهر النيل»، أكد أن الدلتا من أكثر المناطق المتأثرة سلبًا بالتغيرات المناخية ومعرضة لخطر الغمر؛ نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر وارتفاع الأمواج.

وأضاف مدير المشروع، خلال لقاء عدد من الصحفيين، أنه قبل عام 2010 كان هناك تشكيك في تأثر مصر بالتغيرات المناخية، من قبل المواطنين، وأيضا من عدد من التنفيذيين، إلا أن ما حدث من تغير مناخي، أدى إلى خروج أمواج البحر إلى شوارع الإسكندرية وغمرها، مسببا أضرارا بالغة في البنية التحتية، كان -هذا التأثير السلبي- سببا في تغيير هذا الرأي.

وأشار إلى أن المركز القومي لبحوث المياه -الذراع البحثية لوزارة الموارد المائية والري- كان يدرس مشروعا -وقتئذ- عن تأثير التغيرات المناخية على البحر المتوسط، ولهذه التأثيرات علاقة بإتاحة المياه الصالحة للشرب؛ نظرا لأن ارتفاع منسوب سطح البحر سيتسبب في تداخل مياه البحر مع المياه الأرضية في الدلتا، مسببا ملوحة التربة الزراعية.

وقال الدكتور محمد أحمد: إن مرفق البيئة العالمي كان قد بدأ أولى خطوات تنفيذ مشروع لمواجهة تأثير تغيرات المناخ، وتزامن بدء تنفيذ المشروع مع ما حدث في الإسكندرية، فكان ذلك بمثابة جرس إنذار، استدعى من الجهات التنفيذية التكاتف والتحرك لمواجهة هذه الآثار، حتى لا تتكرر الأزمة مرة أخرى.

وتابع بدأت عمليات الدراسة ووضع التصورات المناسبة لحماية المناطق الساحلية، لافتا إلى أن استخدام الطرق التقليدية في أعمال الحماية يكلف مبالغ طائلة، خاصة بعد ما اتجه التفكير إلى حماية شواطئ الساحل الشمالي لمصر من رفح حتى السلوم، فبدأ البحث عن تقنيات جديدة صديقة للبيئة ومنخفضة التكلفة عن الطرق التقليدية لحماية المناطق المهددة بالغرق على السواحل وفي الدلتا. بداية الفكرة.. مواطنو كفر الشيخ ونوه إلى حصول مصر على منحة لا ترد من صندوق المناخ الأخضر بتكلفة 31.4 مليون دولار، بعد اقتناع إدارة الصندوق أن المنطقة الساحلية في مصر مهددة بالغرق نتيجة التغيرات المناخية، لافتا إلى طرح أفكار جديدة لعمليات الحماية وبسيطة في تنفيذها ومنخفضة التكاليف، موضحًا أن بعض هذه الأفكار كان ينفذها بطريقة بدائية أهالي كفرالشيخ، الذين تتعرض منازلهم وأراضيهم للغرق سنويا بسبب ارتفاع منسوب البحر.

وتابع: بدأت تنفيذ التجارب الأولية لعمليات الحماية صديقة البيئة، وقال عنها: «عرفناها من مواطني المنطقة»؛ حيث أوضح الأهالي منطقة البرلس بمحافظة كفرالشيخ استخدام البوص والرمال في حماية منازلهم من أخطار الغمر بمياه البحر كل عام. إضفاء العلم على «الفكرة البدائية» وأضاف مدير المشروع: بعد معلومة الأهالي بدأ التفكير في تطبيق الفكرة، ولكن بتصميم علمي وهندسي وبمواصفات معينة، ومع البحث وجدنا دراسة عن الموضوع في مركز بحوث الصحراء، ليبدأ بعدها معهد بحوث الشواطئ بالمركز القومي لبحوث المياه بالتعاون مع هيئة حماية الشواطئ في تطوير الدراسة ووضع أسس تطبيقها.

وأشار إلى تنفيذ منطقة تجريبية طولها 250 مترًا في كفر الشيخ عام 2016، لتقييم استخدام البوص والرمال في مواجهة الغمر الناتج عن التغيرات المناخية وارتفاع منسوب البحر، وحققت نجاحًا مبهرا، بدأ بعدها التوسع في منطقة جديدة بامتداد 5 كيلومترات، حتى بدأ التعاون مع صندوق المناخ الأخضر في حماية 69 كيلو مترا من أكثر المناطق المهددة بالغرق في 5 محافظات بالدلتا (كفرالشيخ - الدقهلية - بورسعيد - دمياط - البحيرة).

تكاتف مراكز الأبحاث لخدمة هدف تنموي وأضاف الدكتور محمد أحمد، أنه بدأ تنفيذ مخطط الحماية باستخدام البوص والرمال وفق تصميم هندسي وجد في دراسة بمركز بحوث الصحراء، وأضاف التنفيذيون في هيئة حماية الشواطئ بعدًا جديدًا لتثبيت البوص، مقترحين استخدام ناتج تكريك بحيرة البرلس، حيث يمثل ناتج التكريك عبئا ولا يوجد له استخدام؛ رغم أنه يتمتع بميزتين مهمتين جدا، الأولى؛ منع تغلل المياه من خلاله بسبب مساميته الضعيفة، والميزة الثانية؛ أنه مقاوم لعمليات نحر المياه.

ونوه إلى أن حصيلة تجميع هذه الأفكار معًا (فكرة المواطنين باستخدام البوص، مع التصميم الهندسي لمركز بحوث الصحراء، واقتراح هيئة حماية الشواطئ باستخدام ناتج تكريك بحيرة البرلس للتثبيت ومقاومة النحر)، أوجدت تصميم عبقري متفرد للتكيف مع التغيرات المناخية، صديق للبيئة يحمي الشواطئ بتكلفة بسيطة، أقل من استخدام الكتل الخرسانية لحماية الشواطئ.

14 عامًا من الجهد الدءوب وقال إن هذا المشروع بدأ منذ عام 2010 وصولا إلى عام 2024؛ حيث بلغت نسبة التنفيذ 99% لحماية 69 كيلومترا من الشواطئ في 5 محافظات، أي أن خروج هذا المشروع المتفرد في تصميمه ونتائجه استغرق نحو 14 عامًا من العمل الدءوب والجهد المتواصل.

تصميم هندسي لمشروع أكثر استدامة من جهته أوضح حسن جبر الله المنسق الإعلامي لمشروع «تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي ودلتا نهر النيل»، أن فكرة التنفيذ تعتمد على أعمال حفر بعمق نحو متر أسفل منسوب سطح البحر، وعلى بعد نحو 200 متر من الشاطئ، ويجري ملء هذا العمق بناتج تكريك بحيرة البرلس إلى ارتفاع مترين؛ ثم يوضع عليه البوص، ليصل إجمالي الارتفاع من مستوى سطح الأرض بين مترين إلى 3 أمتار، موضحًا أن هذا الارتفاع يمسح -بمرور الوقت- ومع فعل الرياح التي تحرك رمال الشاطئ، في حدوث تراكمات للرمال أمام البوص، مسببة ارتفاعات تحمي المناطق الواقعة خلفها من التعرض للغمر.

مقارنة بين استخدام البوص والكتل الخرسانية في حماية الشواطئ وفي مقارنة سريعة، أوضح «جبر الله» أن تكلفة حماية الشواطئ كيلو متر واحد من الشواطئ باستخدام البلوكات الخرسانية تصل تكلفته إلى 400 مليون جنيه، بينما استطاع مشروع تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي ودلتا نهر النيل 69 كيلو مترًا من الشواطئ في محافظات الدلتا بنفس التكلفة تقريبا، موضحًا أن مساحة تنفيذ المشروع تعادل 30% من مساحة شواطئ الدلتا، ويجري تنفيذها بنسبة تقل 75% عن طرق الحماية التقليدية بالأحجار والكتل الخرسانية.

وأضاف أن أعمال الحماية التي نفذها المشروع استطاعت حماية منشآت واستثمارات بقيمة 192 مليار جنيه، فضلا عن توفيرها فرص عمل لأهالي المنطقة، الذين يشاركون في التنفيذ. خطة الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في سياق متصل، قال الدكتور يسري الكومي، مسؤول التخطيط الإستراتيجي مشروع تعزيز التكيف مع المناخ في الساحل الشمالي ودلتا نهر النيل، إن المشروع تجاوز فكرة الحماية فقط لمنطقة معينة في الدلتا، وانتشر حتى وصل إلى وضع خطة الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط من السلوم إلى رفح، في 8 محافظات، وفق إطار مؤسسي وخطة تنفيذ، تتشارك فيها جميع الجهات المعنية في الدولة المصرية.

وأشار «الكومي» إلى أن مشروع تعزيز التكيف مع تغير المناخ جرى تنفيذه بسواعد مصرية بنسبة تتجاوز 95%، كما أنه لأول مرة ينفذ تدريب - ضمن أعمال مشروع- على إدارة الأزمات في مرحلة الوقاية قبل حدوثها، أو انتظار مرحلة العلاج، لافتا إلى أن هذا النهج ساعد على وجود أدلة إرشادية للبناء في المناطق الساحلية، فضلا عن وضع خريطة لإدارة المخاطر بطول المدن الساحلية، عن طريق استخدام نماذج رصد بيانات الأمواج والرياح ومنسوب البحر، لوضع في خطط التخطيط والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية.


المزيد من بوابة الأهرام

منذ 9 ساعات
منذ ساعة
منذ 9 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 7 ساعات