الحوار الوطني في مصر لا يبدو أنه قد توصل إلى صيغة تعايش واضحة بين الحكومة والمعارضة، بل على العكس يرسل إشارات سلبية أحيانا توحي بأنه بلا قيمة، آخرها اعتقال أحد رموز الحركة المدنية ومحاولة ربطه بالإخوان.
القاهرة - صعّدت الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة في مصر الضغوط السياسية ضد الحكومة، بإعلانها عن دراسة تجميد نشاط أحزابها، على خلفية اعتقال أحد مؤسسيها يحيى حسين عبدالهادي، الأمر الذي رأت فيه الحركة رسالة ترويع للمعارضة السلمية . ورفضت الحركة في بيان لها الجمعة الاتهامات الموجهة إلى عبدالهادي بدعم جماعات إرهابية وسوء استغلال مواقع التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة ، ووصفتها بـ الجائرة ، وأن توقيفه يبعث بدلالات سلبية دفعتها إلى بحث مسألة تجميد نشاط أحزابها.
وجرى توقيف يحيى حسين عبدالهادي قبل أيام قليلة، وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق، بالتزامن مع جلسات الحوار الوطني التي ناقشت غلق ملف الحبس الاحتياطي ووضع حد أقصى لسجن السياسيين وغيرهم، استجابة لمطالب سبق أن رفعتها المعارضة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي. وبدت السلطات المصرية غير مكترثة بخطاب التهديد الذي أرسلته الحركة المدنية بشأن تجميد نشاطها، وأن هذه الطريقة لن تثنيها عن تطبيق القانون على الجميع وضد كل المخالفين له، مهما بلغت مكانتهم السياسية في صفوف المعارضة.
وترى دوائر معارضة أن اعتقال مؤسس الحركة لا يخدم الصورة التي تروج لها الحكومة الجديدة بأنها ماضية في إصلاحات سياسية واجتماعية تعيد الأمل إلى الشارع. وتعتقد دوائر مؤيدة للحكومة أن سعي الحركة المدنية لإحراج السلطة عبر التلويح بالانسحاب من المشهد قد يجلب لها ضمانات طفيفة ويرفع بعض القيود عن تحركات أفرادها، لكن المعضلة ستظل كامنة في عدم استثمارها للفرص التي تلوح أمامها حاليا.
وحال نفذت الحركة تهديداتها وغابت عن المشهد، فذلك سيخصم الكثير من رصيدها السياسي، وقد تجد تحالفات أخرى حيزا لسد فراغها، لأن الحركة تعاني من تصدع، وثمة أحزاب جمدت عضويتها فيها، وباتت بلا أنياب تدفع الحكومة إلى التجاوب معها. وفسرت دوائر قريبة من الحكومة لـ العرب توقيف عبدالهادي بأنه ليس موجّها إلى شخصه أو موقعه داخل الحركة المدنية، بل إلى جماعة الإخوان التي تصطف خلفه كلما ناكف السلطة بخطاب يصنف من قبل المناصرين للسلطة بأنه تحريضي ، ما يصعب قبوله من نظام جاهد لإعادة بناء الدولة بعد أن تهدمت أركانها بسبب جرائم الجماعة.
وكان يحيى حسين عبدالهادي كتب على صفحته الشخصية في فيسبوك سلسلة من المقالات المناوئة للسلطة ولم يتم الاقتراب منه أو معاقبته عليها، لكن آخرها نشر في ذكرى ثورة 23 يوليو، وطالب فيه الجيش بالتحرك لما أسماه إنقاذ الدولة .
وكتب فيه: إلى متى يصمت الجيش؟ لماذا لا يتحرك؟ لقد بلغ السيل الزبى.. أغلبية المصريين في ضنك.. والفشل في كل اتجاه.. والفضائح تتوالى مغموسة بالفساد ويتحدث بها العالم.. هذا النظام لن يسقط إلا بالقوة، والقوة لا يملكها إلا الجيش.. أليس فيه من يغار على بلده ، وهي كلمات غير معهودة وتنطوي على رغبة في إحداث الفتنة بين الرئيس المصري والمؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها السيسي ويثق بها، في توقيت حساس على الصعيد الإقليمي.
اعتقال عبدالهادي لا يخدم الصورة التي تروج لها الحكومة بأنها ماضية في إصلاحات تعيد الأمل إلى الشارع
واستثمرت جماعة الإخوان ما خطه عبدالهادي، ودخل إعلامها على الخط محتفيا به، ما جعل الحركة تتعرض لانتقادات شعبية، كونها التزمت الصمت أمام خطاب تحريضي يدعو الجيش إلى إسقاط نظام الرئيس السيسي، في توقيت حرج سياسيا يفترض أن تتوحد فيه القوى الوطنية خلف الدولة لمواجهة التحديات والمخاطر الخارجية. وطالب يحيى حسين عبدالهادي من قبل بالإفراج عن السجناء من قيادات الإخوان، بحجة أن محاكماتهم تمت بشكل غير عادل، في سياق حديثه عن الإفراجات السياسية التي يجب أن تحدث في أقرب وقت للجميع، ودون تفرقة بين إخوان أو غيرهم.
ولم تُعلق الحركة المدنية أو تتبرأ من أي خطاب يتناغم مع الإخوان، أو يخدم مصالحهم، ما جلب ضدها غضبا من دوائر سياسية، لأنها تُدرك الخصومة بين شريحة كبيرة من المواطنين والإخوان، ما يضع خطا أحمر لعودة الجماعة إلى المشهد. وقال محمد سامي الرئيس السابق لحزب الكرامة، وهو أحد أعضاء الحركة المدنية، إن التلويح بانسحاب المعارضة من المشهد السياسي وحل الأحزاب يعبّر عن نفاد صبر الحركة من التراخي في إجراء إصلاحات سياسية في البلاد رغم كثرة الوعود .
وأضاف في تصريح لـ العرب أنه من المستبعد تعاطي النظام مع تهديدات الحركة المدنية بجدية، وهذا خطأ وخطر، لافتا إلى أنه يتحفظ على ما قاله مؤسس الحركة المدنية كرأي، لكنه ضد رد الفعل، وطريقة توقيفه صعبة، وكان يجب الرد عليه بحسم. وأشار سامي إلى أن مصر بحاجة ملحة إلى مصالحة شاملة بين النظام والمعارضة، ليكون الاختلاف على أرضية وطنية إذا أرادت الدولة مواجهة التحديات دون انقسام بين السلطة والمختلفين معها، وهذا بحاجة إلى تدخل من الرئيس السيسي شخصيا.
وكشف توقيف عبدالهادي عن هوة بين السلطة والمعارضة، لأن الأخيرة تتعامل مع حرية الرأي كأنها بلا سقف، في حين تتمسك الأولى بحرية وطنية منضبطة لا تخدم تيارات مناوئة أو يستفيد منها الإخوان في خلق فتنة داخل البلاد. ولا يحظى موقف المعارضة بالانسحاب من المشهد وتجميد نشاط أحزاب الحركة المدنية باهتمام من قبل الشارع، ولذلك لا تكترث الحكومة التي ترى أن أمامها شواغل مركبة أهم من محاولة ترضية الحركة المدنية بإجراءات تُظهر السلطة قليلة الحيلة.
ويؤشّر الإفراج عن مئات من سجناء الرأي والسياسيين، ثم معاودة حبس بعضهم، على أن العلاقة بين الحكومة والمعارضة بحاجة إلى تفاهمات كبيرة تساعد على تسهيل عملية التوصل إلى المزيد من القواسم المشتركة. وتعتقد الحكومة أن إبداء حسن نواياها مؤخرا لم يُقابل بالمثل، وبعض من أفرج عنهم أصروا على إحراج السلطة ومحاولة الضغط عليها بلا ضوابط بذريعة حرية الرأي.
واعتادت بعض قوى المعارضة في مصر اختيار توقيتات سياسية خاطئة لمناكفة السلطة، ولذلك لا تحظى الحركة المدنية بتعاطف شعبي لافت، لأن أغلب مطالبها تتعلق بقضايا ومصالح سياسية ليست من صميم اهتمام غالبية المواطنين في وقت يواجهون فيه تحديات اقتصادية داخلية، ما يجعل السلطة تتعامل مع هذه القوى بقسوة أحيانا. ومن المستبعد رضوخ الحكومة لمطالب الحركة المدنية والاستمرار في المشهد والتراجع عن الانسحاب، لأن هناك ملفات عاجلة مرتبطة بمواجهة المخاطر الإقليمية.
وتضم الحركة في عضويتها أحزاب: التحالف الشعبي الاشتراكي، الاشتراكي المصري، الدستور، الشيوعي المصري، العيش والحرية، العربي الديمقراطي، الكرامة، المحافظين، الوفاق القومي، الإصلاح والتنمية، وبعض الشخصيات العامة.
منذ 44 أسبوع