تصدر جواز السفر الدبلوماسي مشهد الجدل في العراق مجددًا، تزامنًا مع مساع داخل البرلمان لتمرير قانون يضمن توزيعه على غير المستحقين، في وقت تواصل فيه حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني منح الجواز الدبلوماسي خارج السياقات لمشاهير وسياسيين ومؤثرين ما أضعف من دبلوماسية الجواز وقلّل من قيمته.
وسادت حالة من الغضب الشعبي في العراق، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيال مساعي بعض النواب تشريع قانون يمنحهم الجوازات الدبلوماسية مدى الحياة، ضمن مسار خطير يضرب الأسس القانونية، ويحيل الدبلوماسية العراقية إلى الحضيض وفقًا لعراقيين تفاعلوا مع هذا التوجه.
ونددت الأوساط الشعبية، بهذا التوجه، وسط مطالبات بالعدول عنه، إذ أن منح الجوازات الدبلوماسية مدى الحياة قد يسهل استخدام هذه الامتيازات في أغراض شخصية، ما قد يضع العراق في موقف حرج أمام الدول الأخرى مستقبلًا.
وانسحب الحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، إلى امتيازات المسؤولين بشكل عام، حيث رأى البعض أن هذا الحدث يمكن أن يكون فرصة لإعادة النظر في نظام الامتيازات الممنوحة للنواب والمسؤولين، والعمل على سن قوانين تضمن العدالة والمساواة بين جميع المواطنين، بما يعزز الشفافية ومكافحة الفساد لضمان عدم تكرار مثل هذه المحاولات في المستقبل.
ووفقًا لمشروع القانون الجديد، فإن رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الاتحادية العليا وأعضاءها ورئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس الإقليم ورئيس مجلس وزراء الإقليم ونواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء ونواب رئيس مجلس النواب الاتحادي ونواب رئيس مجلس وزراء الإقليم وأعضاء مجلس النواب ووزراء الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والأمين العام لمجلس الوزراء ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية ورئيس ديوان مجلس الوزراء والمستشارين في رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء وممثلي السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمُلحقين الفنيين ومساعديهم من العراقيين العاملين في المنظمات العربية والدولية الحكومية، سيحصلون جميعًا على جوازات سفر دبلوماسية.
وأظهرت وثائق أخرى أن القانون الجديد شمل أيضًا المتقاعدين من الفئات المذكورة في الفقرات السابقة، وأولادهم الذين يعولونهم قانونًا.
وأثارت هذه الخطوة تساؤلات حول مدى قانونية ودستورية هذا التعديل، خاصة أنه يأتي بعد استبعاد أعضاء البرلمان من الاحتفاظ بالجواز الدبلوماسي عند التقاعد وفقًا لقوانين جرى إقرارها عام 2018.
وعلى وقع ارتفاع منسوب الغضب الشعبي أنهى مجلس النواب في جلسته التي عقدها يوم السبت، تقرير ومناقشة مقترح قانون التعديل الأول لقانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015.
وشدد خبراء قانونيون على ضرورة مراجعة وتعديل قانون جوازات السفر رقم (32) لسنة 2015 ليكون منح الجواز لمن يستحق لا لعائلات الأشخاص وأولادهم وكأنه تركة أو إرث ، فهذا يخالف اتفاقية فيينا لعام 1961.
ووصف الخبراء ما يحدث بأنه إهانة لهذا الجواز الذي يمثل صفة رسمية لحامله.
ويبين الخبير القانوني علي التميمي أن قانون جوازات السفر العراقي رقم 32 لعام 2015 يتكون من 23 مادة، وينص على وجود 4 أنواع من الجوازات (العادي والخدمة والخاص والدبلوماسي).
وأوضح التميمي أن التعليمات حددت جوازات الخدمة لأصحاب الدرجات الخاصة وموظفي السلك الدبلوماسي والمتقاعدين العسكريين من رتبة عميد فما فوق، وأعطت هذه التعليمات جواز الخدمة وحتى الدبلوماسي أن يحتفظ به المتقاعدون هم وأزواجهم وأولادهم الذين يعيلهم قانوناً، كما أعطت هذه التعليمات لوزير الداخلية أن يمنح جواز الخدمة لمن تقتضي المصلحة العامة ذلك .
وتابع أما الجواز الخاص، فهذا يمنح لأصحاب الدرجات الخاصة أو عند الإحالة إلى التقاعد .
وعن الجواز الدبلوماسي، يشير الخبير القانوني، إلى أن الجواز الدبلوماسي هو من أهم الجوازات التي ورد ذكرها في قانون جوازات السفر رقم 32 لعام 2015، وهو يمنح للأشخاص عند إحالتهم إلى التقاعد ولأولادهم وزوجاتهم .
وينوّه إلى أنه وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ووفقًا لاتفاقية فيينا لعام 1961 يتم منح ألف جواز دبلوماسي لكل 100 ألف نسمة، ففي اليابان هناك 250 مليون نسمة ولديهم 15 ألف جواز دبلوماسي فقط، وأن هذه الاتفاقيات ملزمة للدول ولا يجوز مخالفتها، لأنها مودعة في الأمم المتحدة بموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة .
ويبين، أن قانون جوازات السفر رقم 32 لعام 2015 يحتاج إلى مراجعة وتعديل لأن المشكلة ليست في القانون، وإنما في التعليمات التي صدرت بعد هذا القانون، فلا يمكن منح الجواز الدبلوماسي لكل شخص وكذلك جواز الخدمة، لأن بعض الدول تعطي هذه الجوازات للكتاب والمبدعين ومن لديهم براءة اختراع ومن يقدم للبشرية شيئاً معيناً للتخفيف عنهم عقبة الفيزا وغيرها، لذلك الدول تتحفظ كثيرًا في مسألة الجوازات الدبلوماسية والخدمة والخاصة .
وزاد عدد حاملي الجواز الدبلوماسي في العراق في الأعوام التي أعقبت عام 2003 مع تزايد عدد أعضاء البرلمان في دوراته الخمس، ومنحه لموظفي الجهات التنفيذية والقضائية في الحكومة الاتحادية أو حكومة كردستان العراق والذين يسمح لهم القانون باقتناء الجواز الدبلوماسي، إضافة إلى بعض الاستثناءات التي تمنحها الجهات الحكومية.
وأثير الجدل خلال السنوات الماضية في مجلس النواب حول الاستثناءات التي مُنحت لبعض الشخصيات من ضمنهم فنانون وعارضات أزياء وبعض الشخصيات الأخرى التي لم يحددها القانون.
وكشفت لجنة النزاهة النيابية في العراق عام 2023 عن إصدار 32 ألف جواز دبلوماسي بينها 10 آلاف جواز لأشخاص ليسوا من السلك الدبلوماسي ولا موظفين بوزارة الخارجية.
وقالت عضو اللجنة سروة عبد الواحد وقتها إنها رفعت دعوى في محكمة الكرخ في هذا الشأن، مما دعا السوداني الطلب من وزارة الخارجية إلى تشكيل لجنة لمراجعة جوازات السفر الدبلوماسية.
وأصدرت وزارة الداخلية أكثر من 4000 جواز سفر دبلوماسي في عام واحد وفقًا لتقرير الوزارة عام 2022.
ويمنح الجواز الدبلوماسي حامله بعض المزايا منها الدخول عبر بوابات كبار الشخصيات ودخول بعض البلدان من دون تأشيرة أو رسوم، فضلاً عن الاستثناء من الضرائب المفروضة على بعض البضائع.
ويرى الدبلوماسي الأسبق غازي فيصل أن جواز السفر الدبلوماسي يمنح لمسؤولي الدولة وأعضاء السلك الدبلوماسي ليوفر لهم الحصانة أثناء عملهم.
وأشار إلى أن منح الجواز لغير هذه الفئات مخالفة للقوانين الدولية والعراقية.
وأضاف فيصل الذي كان يشغل منصب سفير سابق أن الهدف من منح الجواز الدبلوماسي هو توفير الحماية الدبلوماسية وفق اتفاقية فيينا عام 1961 التي تضمن الحصانة للدبلوماسيين حاملي الجوازات ويتمتع بالحصانات المالية والحق بشراء أجهزة ومعدات وأي حاجات أساسية من الأسواق الخاصة والعامة، حيث تحذف الضريبة كونه يحمل الجواز الدبلوماسي، وهناك أسواق خاصة يشتري منها الدبلوماسي مباشرة من دون أن يدفع ضريبة.
وأوضح أن الجواز الدبلوماسي يوفر لحامله الحصانة أمام القضاء في تلك الدولة ولا يخضع للعقوبات وتوفر للدبلوماسي عدم إحالته للعدالة إلا بنزع الحصانة عنه من قبل البلد الذي ينتمي إليه وبعد تقديم البلد الوثائق التي تثبت جرمه.
وتابع الدبلوماسي الأسبق أن حملة جواز السفر الدبلوماسي ممن ليسوا في بعثة وإنما في زيارة بلد ما زيارة شخصية لا يضمن لهم هذا الجواز الحصانة أثناء تنقلهم السياحي كما هو في حال عملهم في البعثة الدبلوماسية .
وأوضح أن شروط منح جواز السفر الدبلوماسي يكون فقط للدبلوماسيين والموظفين الكبار بالدولة، ويمنح من قبل رئيس الوزراء ووزير الخارجية بناء على إجراءات رسمية ومفاتحات من قبل رئيس الوزراء يقوم بها وزير الخارجية من جانبه بمفاتحة دائرة الجوازات لإصدار جواز السفر .
ولفت إلى أن هناك من يحمل جواز سفر دبلوماسيًا ويعمل بائع سجاد في إسطنبول كما نشرت إحدى التقارير في حين أن جواز السفر الدبلوماسي لا يمنح لهذه الفئات ومنحه لغير مستحقه غير مقبول وانتهاك للقانون الدولي والعراقي .
ويحتل جواز السفر العراقي عام 2024 المرتبة 104 عالميًا وفقًا لمؤشر غايد لترتيب جوازات السفر، مستندًا إلى حرية التنقل العالمي الذي يتيحه جواز السفر العراقي لحامليه، والذين يمكنهم السفر من دون تأشيرة إلى 30 دولة على مستوى العالم، في حين أنهم يحتاجون إلى تأشيرة مسبقة قبل السفر إلى 156 دولة.
منذ 51 أسبوع
