في الآونة الأخيرة، اصطدمت كثيرًا بالواقع الأليم الذي نعيشه بتوجيهات تحريضية ضد التفكير والتدبر، حتى أصبح العلم والتأمل الفكري سُبة يتبارى الكثيرون في السخرية من أصحابه، والتحقير من شأنه دون سبب منطقي واضح.
مؤخرًا، انتشرت الدعوات ضد طريقة تفكير العالم إسحاق نيوتن، وتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي السخرية منه في الحكاية المتداولة حول كيفية اكتشافه قانون الجاذبية حين سقطت عليه تفاحة أثناء جلوسه أسفل شجرة في عام 1687، ما دعاه للتدبر هذا التساقط حتى وصل إلى هذا القانون الهام.
ادعى البعض أن نيوتن اكتشف قانون الجاذبية بالصدفة، بينما سخر آخرون منه لأنه بدلًا من أن يشكر الله - عز وجل- على رزقه بالتفاحة ويأكلها، فإنه تعمق في التفكير حول سبب التساقط وآليته حتى توصل إلى قاعدة علمية ما زالت تدرس حتى اليوم.
"لا تكن نيوتن" تلك العبارة التي تداولها الكثير مؤخرًا مصحوبة بأمنيات لو أنه قد تناول التفاحة دون أن يتدبر ويتأمل بها حتى يصل لقانون الجاذبية، وربما الشيء الأخطر أن من يتناول مثل تلك الدعوات من فئة الشباب وطلاب المدارس.
لا يجب أن ننظر إلى تلك المنشورات على أنها دعابة ومزاح بين فئة الشباب، ولا يجب أبدًا أن تمر دون تحليل حقيقي من متخصصين حول الأسباب الحقيقية التي دفعتهم للضجر من التفكير والتدبر، واللهث وراء الشهوات والعلوم السريعة الجاهزة.
علينا جميعًا أن نشعر بالخزي بأن الجيل الصاعد يتعامل مع التفكير على أنه شيء يدعو للتنمر والسخرية، ولنحاسب أنفسنا جميعًا عن هذا الحال الذي وصلنا إليه بأن يكره طالب العلم التعلم والتفكير والإبداع، ويميل إلى الاستسلام لإشباع الرغبات واللهث وراء الألعاب المدمرّة وتعزيز النمط الاستهلاكي.
للأسف، أشم رائحة الحرب الباردة من كثرة ترديد تلك الدعاوي الشيطانية في صورة دعابة، لكنها في الحقيقة تتسلل إلى الوجدان وتدخل في تشكيل الشخصية خاصة مع الجيل الجديد الصاعد، الذي نشأ دون توعية حقيقية بقيمة العلم والتعلم، وأهمية التفكير والتدبر، الجيل الذي ترعرع وسط الوجبات السريعة سواء الغذائية أو العلمية.
في الحقيقة، إن ما دعا نيوتن إلى التفكير هو تدربه على التعلم والتأمل والرغبة في البحث عن الحقيقة، ومعرفة أصل الأشياء، وحرصه على تقديم علم نافع للبشرية، فلو كان قد اكتفى حين إذ بإرضاء شهوته والاعتماد على رد الفعل "العادي" بأكل التفاحة لما كنا قد توصلنا إلى قانون الجاذبية.
عزيزي طالب العلم، إن لم تجد من يدربك على التفكير فلتدرب نفسك بنفسك، ولا تستسلم لتلك المحاولات البغيضة لوأد طاقات الشباب وقتل العقول، وتحويلهم إلى آلات تتلقى معلومات دون أية معالجة، ولا تترك نفسك تنجرف وراء الألعاب غير النافعة، والمسلسلات التافهة، والأغاني الهابطة، والفكر الاستهلاكي، والهروب من التفكير العلمي السليم.
منذ 24 أسبوع