«شوشرة قومجية» على القضية العربية

كلمة «شوشرة» كاسم جاءت فى معجم المعانى الجامع، من المصدر «شوشر» كفعل، ومنها شوشرَ.. يشوشر.. شوشرة.. فهو «مشوشر». وعندما نقول «شوشرَ التِّلميذُ»، فهى تعنى أنه أحدث جلبة واختلاطاً وضوضاء، و«شوشر الجهازُ»، أى أحدث اهتزازات وأصواتاً خارجيّة لتعكير البثّ، والحيلولة دون سماع الصوت بوضوح. فى الولايات المتحدة الأمريكية اندلعت المظاهرات الطلابية، التى بدأت فى (18) أبريل الماضى من جامعة «كولومبيا» فى «نيويورك»، وتوسّعت لتشمل أكثر من (40) جامعة بعد ذلك. الطلاب الأمريكيون (ومن بينهم يهود) طالبوا إدارة «جو بايدن» بإيقاف الدعم السياسى والمالى واللوجيستى لإسرائيل، ووقف إطلاق النار فى غزة، وقطع الاستثمارات المالية للجامعات فى الشركات التى تدعم الجهد العسكرى الإسرائيلى فى غزة، بل وقطع علاقاتها مع إسرائيل فى بعض الحالات. المشهد كان صادماً للإدارة الأمريكية، ويكشف عن تحول لافت فى الداخل الأمريكى فى رؤيته للصراع العربى - الإسرائيلى، وهو بلا شك مكسب سياسى غير مسبوق لصالح القضية الفلسطينية. ومن على بُعد آلاف الأميال عن «الولايات المتحدة»، قرّر «المؤتمر القومى العربى» من مقره فى العاصمة اللبنانية «بيروت» الشوشرة على المشهد، بنداء إلى عموم الحركة الطلابية فى الجامعات العربية، للتحرّك بشتى الوسائل والأساليب المتاحة للتعبير عن الاعتزاز بهذه الحركة الطلابية والشعبية المتعاظمة داخل الولايات المتحدة والدول الغربية التابعة لها ودعمها، والتأكيد لها أنها ليست وحدها فى معركتها التى يبدو (كما جاء فى البيان) أن عنوانها فلسطين، ولكنها فى حقيقتها معركة ضد كل أشكال الهيمنة. هكذا قرأ «القومجية» المشهد الأمريكى، وهكذا قرّروا الشوشرة عليه، فالطلاب الأمريكيون «هبوا» ضد إدارة «بايدن» الداعمة للعدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة، ومطلبهم الواضح والصريح هو وقف الدعم لإسرائيل، ووقف إطلاق النار فى غزة. الصورة واضحة لا لبس فيها، ولا تحتاج أصواتاً خارجيّة للحيلولة دون سماع صوت الداخل الأمريكى بوضوح. بيان «القومجية» يشير إلى المحاولات الحثيثة، التى تبذلها الحركة الصهيونية العالمية وحلفائها فى «واشنطن» وعواصم دول الأطلسى، من أجل محاصرة هذه التحرّكات فى الجامعات الأمريكية، تمهيداً لإنهائها، وهذه الحقيقة تسلط عليها وسائل الإعلام العالمية الضوء، و«نتنياهو» يدّعى كذباً أن الطلاب الأمريكيين معادون للسامية، والطلاب متمسكون بموقفهم.

والشوشرة على ما تشهده الجامعات الأمريكية، ووصفه بأنه نواة جبهة عالمية مناهضة للهيمنة الاستعمارية والعنصرية، ولحركة عالمية لنزع الشرعية الدولية عن الكيان (الإسرائيلى) الغاصب»، من شأنه تفريغ حركة الطلاب من مضمونها، وإعطاء الآلة الإعلامية الصهيونية الفرصة، للعزف على وتر «مظلومية» اضطهاد إسرائيل، وتأجيل وقف إطلاق النار فى غزة، وإنقاذ أرواح الفلسطينيين، إلى حين -أو أحايين- حسبما يتم الفصل فى «المظلومية» الجديدة، التى نخترعها بأيدينا.

لا يمكن التعامل مع بيان «المؤتمر القومى العربى» إلا باعتباره شوكة فى ظهر القضية الفلسطينية التى تمر بمرحلة فاصلة فى تاريخها، ولا تستأهل الشوشرة من فصيل «قومجى»، يقوده «المناضل» حمدين صباحى بصفته الأمين العام للمؤتمر، الذى يمارس دوره النضالى وكأنه لم يغادر مدرجات الجامعة حتى الآن. واستحضار روح مؤامرة «الربيع العربى» لإشعال العواصم العربية، وجرّها إلى معارك داخلية بحجة مقاومة الهيمنة الاستعمارية، أصبحت لعبة مكشوفة للعامة، والدليل أن البيان الذى شاركه «المناضل» صباحى على حسابه فى «فيس بوك» لم يجد أدنى استجابة.. ولعله يرعوى، ويعيد حساباته فى التعامل مع القضايا السياسية، خاصة القضية الفلسطينية، بعيداً عن الشوشرة التى لا تفيد إلا أعداءنا.


المزيد من صحيفة الوطن المصرية

منذ 8 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 11 ساعة
منذ 6 ساعات
منذ 4 ساعات