منذ أسبوع
الوصم الاجتماعي

يتساهل الكثير في رمي الآخرين بأوصاف من باب المرح والميانة والقرب من بعض الأشخاص، ويتساهل في التمادي بها فتجد ذلك منتشرا في بيئات العمل ومواقع الترفيه والاستمتاع في أوقات يكون اللقاء لحظيا وهو قد لا يسلم منه حتى بعض العقلاء، وقد نلمسه في مواقع التواصل الاجتماعي وبعض مشاهدات المباريات الرياضية، فتجد ردات فعل تصم أشخاصا أو أندية بوصم لا يليق دينيا واجتماعيا وإنسانيا وقانونيا.

إنه الوصم الاجتماعي الذي يركز بمفهومه على كل صفة سلبية تطلق على فرد أو مجموعة أو أفراد أو مجتمعات بشكل مباشر أو غير مباشر مما يؤدي بها إلى الانتقاص منهم واحتقارهم.

مهما كانت الأسباب والدواعي المبررة تحت مظلة المرح يبقى الإنسان مكرما وهو المخلوق الذي اختصه الله - عز وجل - بخصائص جعلته محط التكريم والتقدير والتفضيل على سائر المخلوقات (ولقد كرمنا بني آدم) والتكريم هنا تضعيف كرم يئن له كرم وشرف وفضل كما ذكر القرطبي في تفسيره.

الوصم الاجتماعي يأخذ أشكالا متعددة ومختلفة من مجتمع إلى مجتمع ومن بيئة إلى بيئة، وهو يأخذ دوافع توجده وتنشره تعود إلى الأنا العالية عند البعض في أنه يرى نفسه مختلفا عن الآخرين، فتجده يقزم البعض وينال من الغير دون دافع سوى التقليل والكبر الذي يسيطر عليه والحسد الذي يأكله في عدم الفرح للآخرين بنجاحاتهم، وكذلك التجبر واستصغار البعض والحسد والغيرة.

ونلمس في ذلك تسمية بعض الأشخاص بأسماء تستحقر مكانتهم أو إطلاق كلمات على التواصل الاجتماعي ووصفهم بأوصاف لا يقبلها الشخص على نفسه، بل إنك تنزعج من سماعها وأنت لا علاقة لك بها.

إن هناك واصما وموصوما ومجتمع الوصم، وهي ثلاثية تمتد كمنظومة يرتكبها الشخص في الإساءة ويتحمل أثرها وتمددها وانتشارها.

وكل ذلك لم يسلم منه الرسل من قبلنا فهذا نبينا - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - وصم بأنه ساحر وكاهن وغيرها من الوصوم، وقد اختصر لنا الرسول صلى عليه وسلم قوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم وهو يشير إلى أن هذا الدين جاء صالحا لكل زمان ومكان، وجاء ليهذب السلوك ويرفع من القيم ويكرم الإنسان في لفظه وقوله وفعله وتعامله، إن أقربكم مني منزلة أحاسنكم أخلاقا.

ولهذا تتجلى سماحة الدين في المساواة بين بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي - رضي الله عنهم - وبين بقية الصحابة - رضوان الله عليهم - ذوي النسب الرفيع والجاه والسؤدد في قومهم، فجعلهم الإسلام سواسية كأسنان المشط.

يبقى احترام الناس على اختلافهم وتنوعهم مطلبا أساسيا وهو المبدأ الإسلامي الذي قام عليه الدين.

وإن بقي الموصوم ساكتا ممررا متجاوزا يبقى الأثر النفسي باقيا، وهذه عائشة - رضي الله عنها - حينما تعرض الوصم في حادثة الإفك وقالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي.

إن بناء الإنسان لنفسه والمحافظة على القيم النبيلة التي ترتقي في احترام نفسه وغيره هو السمو والأرقى وما أجمل أن يقال عنك: كان خلقه القرآن وهو وصف عائشة - رضي الله عنها - للرسول صلى الله عليه وسلم.

لا تكن واصما باسما زارعا لكل سوء.


المزيد من صحيفة مكة

منذ 3 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 3 ساعات