منذ أسبوع
البدر.. في ذاكرة الثقافة والأدب

الشاعر بدر بن عبدالمحسن -رحمه الله- من الشعراء السعوديين الذين أثرو المشهد الثقافي السعودي والعربي من خلال إبداعاتهم الأدبية، فهو صاحب موهبة شعرية ثرية نادرة، ومتميزة متفردة.

هذا الثراء الشعري سواء على مستوى الكم أو المضامين حمل رؤيته الشعرية تجاه الكون والحياة بمشكلاتها وتعقيداتها، وقد عمد فيها إلى الوصف والمجاز والرمز تجسيدا لمشاعره وأفكاره تجاهها، وقد جاء شعره استنطاقا للطبيعة من خلال تفاعلها وحالة الشعور.

ويعتبر الشاعر بدر بن عبدالمحسن الأكثر حضورا في شعر الغزل، ووصف ما يطرأ على العلاقة بين المحب وحبيبته من شعور وتقلبات في العلاقة، حيث جاء وصفه دقيقا وصادقا ومعبرا عن تلك الحالات، كما لا تعدم أن تجد العديد من القصائد الوطنية وتغنيه بالوطن ومنجزاته بطريقة تعبيرية يتجسد فيها عمق الشعور والحب والوفاء والولاء والإخلاص لهذا الوطن، وتجد كذلك أن الهوية ومتعلقاتها من موضوعات وقضايا حاضرة أيضا بقوة في شعره، فاستلهم من عوالم البيئة الطبيعية بعضا من الأسس التي تقوم عليها الحياة البشرية في تعاملاتها مع المحيط، وتم توظيف ذلك في العديد من قصائده التي تتعلق بالهوية وتشكيلها.

ومما يتميز به شعر البدر هو ذلك العمق الفلسفي الذي طبعت به العديد من قصائده في تناوله لقضايا الحياة والإنسان بطريقة تثير التأمل والتفكير، خاصة تلك القصائد التي يكون مطلعها استفهاميا، ففي الغالب تجد هذا الاستفهام يردفه استفهام آخر أو استفهامات أخرى مترابطة تثير في داخل متلقيها استجابة تأملية.

ولا يعدم الناظر في شعر البدر من تلمس ذلك القاموس الشعري المتميز، والذي جمع فيه مفردات السماء على اتساعها، ومكونات الأرض على رحابتها، فالبدر والنجم والأفلاك حاضرة بقوة في قاموسه الشعري، كما أن الهضاب والجبال والسفوح والأنهار والوديان وغيرها من تضاريس الأرض حاضرة هي الأخرى، وقد شكل بها أعلى وأسمى معاني الشعور الإنساني المتوقد الأخاذ، فتتلمس فيها صدق الشعور وعمق العاطفة، وتجد مع ذلك كله حضور الحكمة في العديد من قصائده وهي حكمة البدوي الرصين الذي خبر تصاريف الحياة وخبَرته.

يردف تلك المزايا الشعرية جمال الإيقاع وحداثته، في اختياره للذيذ الوزن المتناغم مع المضمون، وكأنه يلبس المعاني ما يناسبها من موسيقى ويخدم معها حركة القصيدة وتشكلها في ذهن وقلب متلقيها، ما يضفي عليها طابعا شعريا فريدا وجذابا، وهذا ما جعل العديد من قصائده تكون مغناة، حيث تغنى بها كبار المطربين في المملكة العربية السعودية السعودية والعالم العربي فأضافت إلى تاريخهم الفني تاريخا.

ومن الملاحظ في الشعر العامي عندما يلقيه مبدعه هو سهولة التنبؤ بالقافية في أحايين وقد يمكن التنبؤ بالشطر، أما مع شعر البدر فإن العملية تبدوا أكثر تعقيدا، ذلك يعود لحرصه على تقديم المعرفة شعرا بلبوس جديدة وبشكل غير مسبوق، معتمدا في ذلك على إطاره الثقافي العالي وخبرته القوية في صياغة المعاني والتعبير عنها في تركيبة شعرية متفردة.

ولازال الشاعر بدر بن عبدالمحسن من أكثر الشعراء السعوديين وأفضلهم تجسيدا للجمال بلغة الجمال، وسيبقى أرثه الأدبي باقيا، وهو ما يحتاج معه إلى دراسات رصينة تخبر هذا الإرث لاستخراج مكنوناته، ومن هذا المبدأ لعلنا نقترح على أصحاب العلاقة من المؤسسات الثقافية تبني مشروع ثقافي اعترافا بفضله، ومكانته الأدبية، فإن غاب جسده الطاهر عن هذه الدنيا فإنه لم ولن يغب عن ذاكرة الثقافة والأدب، وكذلك عمن عشقوا سحر الكلام ونظمه.

وفي الختام نسأل الله أن يتقبل فقيد الوطن، وفقيد الشعر والكلمة القبول الأجمل وأن يسكنه فسيح جناته.


المزيد من صحيفة مكة

منذ 9 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ ساعتين
منذ 4 ساعات