منذ أسبوع
من «لقاء السحاب» إلى النشيد الوطني.. موسيقار الأجيال 33 عاما من الحضور| صور

استحق عن جدارة ألقاب موسيقار الأجيال، موسيقار العرب الأول، مطرب الملوك والأمراء، الأستاذ واللواء.. انه الموسيقار محمد عبد الوهاب.

تأثر بالإنشاد الديني الإسلامي والمسيحي، وتشبع بتراث القرن التاسع عشر، احتضنه سيد درويش فتأثر بأسلوبه، تعمق في الموسيقي الأوروبية، فنتج عن انصهاره في تلك البوتقة المتنوعة والمختلفة شخصية موسيقية فريدة ليكون له السبق في كل ما هو جديد في تاريخ الموسيقي العربية.

وُلد الموسيقار محمد عبد الوهاب محمد عيسى أبو حجربحى باب الشعرية بالقاهرة، واختلفت المصادر حول تاريخ مولده، إلا أن أغلبها يؤكد أنه ولد في ١٣ مارس ١٩٠٢م، وسط أربع أشقاء، شقيقان هما حسن وأحمد وشيقيتان عائشة وزينب، والده إمام وخطيب مسجد الشعراني، نشأ فى بيئة دينية، فحفظ القرآن في السابعة من عمره، وحضر حلقات الذكر وتعلم الإنشاد فى مسجد الشعراني، ورتل القرآن وتأثر بكبار القراء أمثال محمد رفعت، والشيخ على محمود، والشيخ منصور بدران وغيرهم، وأعجب الناس بصوته واشتهر بينهم.

الموسيقار محمد عبد الوهاب مع أولاده

عشق الغناء وحفظ كل ما يسمع من الأدوار والأغاني القديمة ويُعيد غناءها، وخالف رغبة والده الذى أراد أن يلحقه بالأزهر، فأهمل تعليمه وسعى وراء شيوخ الغناء مثل سلامة حجازى، وعبد الحي حلمي، وصالح عبد الحى، حيث كان يذهب إلى أماكن الموالد والأفراح التي يغنى فيها هؤلاء للاستمتاع لأغانيهم.

عمل فى البداية مع فرقة الشيخ فوزى الجزايرلى، واختار أن يصبح اسمه "محمد البغدادي"؛ خوفا من تعرف أسرته بالأمر، لكن أخاه الشيخ حسن علم بالأمر وذهب إلى المسرح واقتاده بعنف إلى المنزل، وحُرم من الخروج لفترة طويلة، ثم التحق بفرقة عبد الرحمن رشدى، والتحق بعد ذلك بمعهد الموسيقى العربية، وتعلم العزف على العود على يد الموسيقار محمد القصبجي، وتعلم فن الموشحات، وعمل مدرساً للأناشيد بمدرسة الخازندار، ثم قابل سيد درويش وأعجب بصوته وعرض عليه العمل فى فرقته الغنائية مقابل ١٥ جنيهًا فى الشهر، ولم يفارق سيد درويش حتى وفاته، أسند إليه دور البطولة الغنائية في أوبريت "شهرزاد"، وهو مازال في السابعة عشرة من عمره، وطلبت منه منيرة المهدية في عام ١٩٢٥م إكمال لحن كليوباترا الذي لم يكمله سيد درويش.

الطفرة الكبيرة فى حياته كانت عندما استمع أمير الشعراء أحمد شوقى إليه عام ١٩٢٤م، وهو يغني دور "جددي يا نفس حظك" لمحمد عثمان فى حفل أقامه معهد الموسيقى العربية بالإسكندرية، فأبدى إعجابه الشديد به، وعقد العزم على تبنيه وقرب إليه واستمر الارتباط بينهما طوال حياة الشاعر الذي نظم له عددًا من الأغنيات باللهجة العامية، منها "الليل لما خلي، وانيل نجاشي" بالإضافة إلي الفصحى مثل قصيدة "مضناك جفاه مرقده"، وقدمه إلى رجال الصحافة والسياسة.

أخذ صوته يتشكل تدريجي وتكتمل مميزاته، وأصبحت له رؤية موسيقية خاصة وضحت فى أغنيات "يا جارة الوادى"، وتألقت موهبته ومكانته الفنية فى صياغة المونولوج، واستطاع أن يشارك محمد القصبجي في إبداع هذا الأسلوب من الغناء الذى تتعدد فى تلحينه المقامات والإيقاعات الموسيقية، ومن أشهر أعماله في مجال المونولوج "كلنا نحب القمر" وفى هذا المونولوج أدخل آلات أوركسترا لم تكن مستخدمة من قبل مثل: آله الفلوت، آلة الفيولونسيل، آلة الكونترباص، ونظم هذا المونولوج أمير الشعراء وغناه عبد الوهاب فى حفل افتتاح معهد الموسيقى العربية فى أوائل الثلاثينيات بحضور الملك فؤاد الأول، وأُطلق عليه "مطرب الملوك والأمراء"؛ لكثرة تواجده وغنائه فى حفلاتهم.

محمد عبد الوهاب يصافح ام كلثوم

وفى ديسمبر ١٩٣٣م بدأ مشواره الأول مع السينما، وقدم فيلمه الأول" الوردة البيضا"، حيث غنى"جفنه علم الغزل" للشاعر اللبناني الأخطل الصغير بشارة الخوري، وكذلك أغنية "يا وردة الحب الصافى" من كلمات شاعر الشباب أحمد رامي، قام ببطولة ٧ أفلام تعتبر من كلاسيكيات السينما المصرية، وهي: الوردة البيضا، دموع الحب، يحيا الحب، يوم سعيد، ممنوع الحب، رصاصة فى القلب، لست ملاكا".

كان الموسيقار عبد الوهاب أول من قدم أدب توفيق الحكيم وشعر أحمد شوقى على الشاشة، وتطورت على يديه الموسيقى العربية، حيث انتقل بها من التخت إلى الأوركسترا، ومن الأوركسترا الصغيرة إلى الكبيرة، ومن اللحن الواحد إلى البوليفونيك أى المتعددة الأنغام بين المطرب والكورال، ومن الأغاني الفردية إلى الثنائية مع ليلى مراد، وراقية ابراهيم، وأسمهان، ومن الأوركسترا إلى التوزيع الموسيقى ومن الاغنية القصيرة إلى الأغنية الطويلة، ومن شعر العامية إلى القصائد الفصحى الخفيفة والثقيلة، ومن الإيقاعات الشرقية إلى الإيقاعات الغربية، ومن الغناء التقليدي إلى الصوت الأوبرالى، كذلك المقدمة الموسيقية المستقلة عن الأغنية إلى التأليف الموسيقي البحت، وكان فضل عبد الوهاب أنه بدأ من حيث انتهى "سيد درويش " فعمد إلى تطوير فنون الموسيقى التعبيرية واستكمل هذا باستحداث ألوان من الموسيقى الوجدانية والموسيقى الهامسة التى تحرك النفس والمشاعر، وقدم العديد من الألحان الموسيقية ذات الطابع العربي الأصيل مثل:"دعاءالشرق، وليالي الشرق، وعندما يأتى المساء"، وألف مقطوعات موسيقية بحتة لا يصاحبها غناء، وأعطى لكل منها عنوانا حاول التعبير عنه بالموسيقى منها:"حبي، إليها، بنت البلد، ألف ليلة، عزيزة، موكب النور، حياتي، الخيام هدية العيد".

ولحن للعديد من المغنيين فى مصر والعالم العربى منهم: فيروز، وليلى مراد، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وفايزة أحمد، ووردة الجزائرية، وصباح، وطلال مداح، وأسمهان.

كانت هناك خصومة ومنافسة بينه وبين أم كلثوم وجرت عدة محاولات للصلح بينهم باتت بالفشل، ولكن فى احتفالات بعيد ثورة ١٩٥٢م، وجه الرئيس جمال عبد الناصر إليهما عتاب عدم اشتراكهم بأغنية معًا فوعدوا بأن يقوموا بذلك فجاءت أغنية"انت عمرى" وسُميت بـ"لقاء السحاب" عام ١٩٦٤م، ومن بعدها لحن لأم كلثوم أقوى عشرة أغنيات منها:"أمل حياتى، هذه ليلتى، أنت الحب، على باب مصر، دارت الأيام، ليلة حب، أغدا ألقاك، أصبح عندى الآن بندقية".

استدعاه الرئيس أنور السادات وطلب منه طلبًا رئاسيًا بتلحين النشيد الوطنى، كما منحه السادات رتبة عسكرية فخرية وهي رتبة لواء، لكن هذا الطلب كان مشروطًا بشرط صعب بأن يعيد صياغة النشيد المصرى القديم ويعيد تلحينه، وهو النشيد الذي لحنه من قبل خالد الذكر سيد درويش، وأمر السادات بتولي عبد الوهاب أمر فرقة الموسيقى العسكرية المصرية الحائزة على المركز الأول بين الفرق العسكرية العالمية، كما لحن النشيد الوطني الليبي.

نال الفنان عبد الوهاب من التكريم ما لم ينله فنان عربى فى تاريخ الموسيقى العربية فحصل على الجائزة التقديرية فى الفنون، الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون فى ١٩٧٥م، رتبة اللواء الشرفية من الجيش، نيشان النيل من الطبقة الخامسة، وسام الأرز اللبنانى، الميدالية الذهبية من مهرجان موسكو، وسام الاستحقاق من الرئيس جمال عبد الناصر، الدبلوم والميداليات الذهبية عام ١٩٦٢م من معرض تولوز، الميدالية الفضية فى العيد الفضى للتليفزيون، الأسطوانة البلاتينية فى فبراير ١٩٧٨م، وسام الإستقلال عام ١٩٧٠م، ووسام الاستحقاق السوري عام ١٩٧١م، ولقب فنان عالمى من جمعية المؤلفين والملحنين فى باريس فى عام ١٩٨٣م.

الموسيقار محمد عبد الوهاب

كُرم الفنان الراحل بأكثر من طريقة؛ تقديرًا لفنه وموهبته فنُصب له تمثالاً في ميدان باب الشعرية، كما تم إنشاء متحف مقتنيات وأشياء خاصة به في معهد الموسيقي. أما عن حياته الزوجية فقد تزوج ٣ مرات فكان زواجه الأول من السيدة زبيدة الحكيم التى كانت تكبره بعشرين عامًا، وكانت أرملة لأحد الباشوات، وظل زواجهم سرًا وبقيت الزيجة ١٢ عاماً لا أحد يعلم عنه شيئا ثم قررا الانفصال، ثم تزوج من أم أولاده السيدة إقبال نصار وأنجبت له خمسة أبناء هم: أحمد، محمد، عصمت، عفت، عائشة، واستمر زواجهم سبعة عشر عاماً وانفصلا عام ١٩٥٧م، ثم التقى بنهلة القدسى طليقة السفير الأردني بأمريكا، وتزوج منها وبقيت معه حتى وفاته.

محمد عبد الوهاب مع جمال عبدالناصر

توفي فى مساء يوم٤ مايو ١٩٩١على إثر جلطة بالمخ؛ نتيجة سقوطه على أرضية منزله بعد انزلاق مفاجئ من سجاد الأرضية، وشُيع جثمانه فى يوم ٥ مايو بجنازة عسكرية بناء على قرار الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر.

الموسيقار محمد عبد الوهاب وزوجته نهله القدسي


المزيد من بوابة الأهرام

منذ 9 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 9 ساعات
منذ 6 ساعات