منذ أسبوعين
«الرجل الذي قال لا»..«سالم الهرش» أسد سيناء الذي تحدى ديان ولطم العدو في مؤتمر الحسنة

لا أحد ينكر أن مؤتمر الحسنة كان واحدًا من أهم المؤتمرات في القرن العشرين علي الصعيد المحلي والدولي، فهو نقطة فاصلة في تاريخ مصر المعاصر والحديث؛ لأنه كشف عن العقلية الخبيثة التي أرادت فصل شبه جزيرة سيناء عن مصر وجعلها تحت إرادة دولية، فاستخدمت العديد من أساليب الترغيب والترهيب؛ لإغراء بدو سيناء، لكن مساعيهم باءت بالفشل.

عُقد المؤتمر في ١٩٦٨/١٠/٣١م في منطقة الحسنة بوسط سيناء، وحضر المؤتمر العديد من الشخصيات السيناوية، لقد ارادت إسرائيل من هذا المؤتمر استمالة بدو سيناء لتكريس احتلالها لشبه الجزيرة عقب نكسة 5 يونيو 1967م، لكن مساعيهم قد خابت وباءت بالفشل؛ لأن سيناء أنجبت رجالاً شرفاء ضحوا بأنفسهم وفي سيبل معركة الشرف والكرامة والأرض، وهؤلاء الرجال كانوا رجالاً قولاً وفعلاً، لا يخشون في الله لومة لائم.

ومن هؤلاء الأبطال شيخ مشايخ سيناء سالم علي الهرش، الذي كان أمام معادلة صعبة في مؤتمر الحسنة واستطاع مساعدة رجال المخابرات المصرية، وذلك من خلال تدريبهم على اللهجة البدوية، وقام سالم الهرش بعمل هويات سيناوية خاصة، عملوا بها داخل المعسكرات الإسرائيلية؛ لكي يكونوا قريبين من أماكن صنع القرار داخل مراكز العدو.

كانت إسرائيل تريد وضع سيناء تحت إدارة دولية، وعرضت هذا الأمر على مشايخ القبائل في سيناء، ولكنهم وجهوا لها صفعة لن تنساها أبدًا، حيث جمعت إسرائيل كل القبائل البدوية في سيناء، وقد أجمعت القبائل السيناوية على أن يكون الشيخ سالم الهرش المتحدث باسمها، وكان رجل الموقف باقتدار، وكيف لا وهو الرجل الذي تحدي موشيه ديان.

جمعت اسرائيل مختلف وكالات الأنباء العالمية، وأحضرت مخرجًا إيطالي الجنسية، ومندوبًا من الأمم المتحدة، وكان في الخيمة أيضًا رجالاً من نسور المخابرات المصرية يتخفون في ملابس بدوية، وما أن طرحت إسرائيل هذا العرض، حتى وقف الشيخ سالم الهرش أمام وكالات الأنباء العالمية، وكانت لحظة حاسمة في تاريخ مصر المعاصر وشبه جزيرة سيناء خاصة، حيث قال الشيخ سالم:"إن باطن الأرض أفضل لنا من ظهرها، من أراد أن يتفاوض عن سيناء، فليتفاوض مع الرئيس جمال عبد الناصر.. فهي جزء لا يتجزأ من مصر".

استشاط موشيه ديان غضبَا وضرب المنصة برجله أم جسارة هذا العملاق السيناوي المصري حتى النخاع، والذي سدد لطمة قوية على جبين العدو أمام أنظار العالم.

وقد تحدثت حفيدة سالم الهرش الدكتورة سلوى الهرش فيما بعد عن أسباب اختيار مشايخ سيناء لجدها في أن يكون متحدثًا باسمهم، ومن بين اعتبارات الاختيار: الفصاحة والبلاغة، وقوة الشخصية، والإتزان النفسي والعقلي، فقد كان مراوغًا مثل الثعلب.

بعد هذا الموقف، لم تنسى مصر لابنها البار وقفته الأبية، تم تهريب الشيخ سالم الهرش وأسرته إلي الأردن ثم إلي القاهرة؛ من أجل الحفاظ على حياته، ومنحه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر نوط الامتياز من الدرجة الأولى وأهداه سيارة وعباءة، ثم انتقل إلى مديرية التحرير بالبحيرة، وتوفي عام 1981م.

إن مؤتمر الحسنة قدم صورة واضحة تظهر حب وانتماء قبائل سيناء وعشائرها من اجل التضحية لهذا الوطن العزيز، والحفاظ على أرض سيناء الغالية، وهو الدور الذي لعبه أولادهم من بعدهم في الوقوف إلى جانب القيادة السياسية والقوات المسلحة والشرطة في القضاء على الارهاب الأسود، والانطلاق نحو مسيرة التنمية المستدامة؛ لتظل سيناء منذ القدم في قلب مصر.

د. سليمان عباس البياضي

محاضر بجامعة العريش وعضو اتحاد المؤرخين العرب


المزيد من بوابة الأهرام

منذ 9 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 11 ساعة
منذ 7 ساعات
منذ 6 ساعات